يدرك داعش جيدا أنه في ظل النظام العالميّ الحالي لا مكان له ولا لدولته المزعومة، ولكن لماذا هذا الإصرار منه على إحياء هذه المفاهيم، لماذا يصرّ هذا التنظيم الإرهابي على إعطاء كل تحركاته طابعًا إسلاميًّا، كالخلافة والحجاب والبيعة والولاية والقصاص والحدود والجزية والجهاد ...إلخ، هل هذا التنظيم الإرهابي فعلًا تطبيق عملي للإسلام، وبعبارة أوضح هل الإسلام لو طبّق بحذافيره سوف ينتج لنا داعش؟
هذا الكلام وأمثاله كثيرًا ما يسمع في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وغالبًا ما يكون ردًا على أي محاولة تدعو للإسلام، إذ بدأ البعض بقصد أو من دون قصد يربط كل محاولات تطبيق الإسلام بداعش.
داعش محاولة فاشلة لتشويه الإسلام
والإسلام بريء من تلك التهمة براءة الذئب من يوسف، ومن الواضح للقريب والبعيد بأن داعش قد وظف تفسيراته المتطرفة بغية تطبيق أجندة معينة تخدم مشروعه من دون أن يبالي بالقواعد الشرعية التي تحدّد وتبيّن مِصادق تطبيق تلك الأحكام.
إذ قام داعش بأخذ مجموعة من الأحكام وتطبيقها وفقًا لقراءات وتفسيرات تنسجم مع الدموية التي يريد تحقيقها، فالأحكام سواء كانت دينية أو وضعية ليست مطلقة بل مقيّدة بشروط عدّة، مثلاً حدّ السرقة قطع اليد ولكن هذا لا يعني بأنه سارٍ ومطلق على كل سارق فالشريعة قد وضعت له (40) شرطًا لتطبيق هذا الحكم، وهي شروط صعبة ومن النادر اجتماعها كلّها على الواقع، وكذلك الأمر بالنسبة لحكم الإعدام فالقاضي قبل أن يأمر بتنفيذ الحكم ينظر إلى المواد القانونية التي تحدّد له موارد تطبيق ذلك الحكم، وإذا لم يلتزم بها القاضي يصبح مجرمًا.
وأد مشروع الدولة الإسلامية
مفهوم الدولة عند الإسلام يعد فكرة مزعجة لأقطاب القوى اليوم لذا يجب إجهاض كل المحاولات التي تدعو لها، وداعش هي أحد المشاريع الاستباقية لإخماد إي مفهوم إيجابي للدولة الإسلامية، وبالفعل فقد لاقت تلك المحاولة نجاحًا نسبيًا، فعلى الرغم من مرور (10) سنوات تقريبًا على ظهور داعش نرى اليوم ثقافة (دعشنة) الإسلام وأحكامه سارية المفعول، فكل القوانين الإسلامية أصبحت من الصعوبة تطبيقها بسبب الحملات الإعلامية الشرسة التي تشنّ عليها، ومقترح قانون تعديل الأحوال الشخصية العراقي هو خير شاهد على ذلك، فعلى الرغم من القاعدة الشعبية الكبيرة التي تؤمن بهذا القانون إلّا أنّه لاقى هجمة شرسة من جهات معينة وصفت تطبيقه كخطوة لإنشاء دولة إسلامية وبتالي العودة إلى داعش وعصر الجواري والعبيد.
الحد ّمن ظاهرة انتشار الإسلام في المجتمعات الغربية
استثمر الغرب تنظيم داعش الإرهابي كأداة لتعزيز ثقافة (الإسلاموفوبيا) الأمر الذي خدمهم كثيرًا في الحدّ من ظاهرة انتشار الإسلام في المجتمعات الغربية لمدّة معينة، وكان لوسائل الإعلام المعروفة دورًا كبيرًا في الترهيب من الإسلام، إذ عملت تلك الوكالات على نقل أخبار داعش ووصفهم (بتنظيم الدولة الإسلامية أو المجاهدون المسلمون)، وكانت تلك المسميات كافية لمحو أي انطباع إيجابي تكوّن عند الفرد الغربي تجاه الإسلام.
وبعد موجة الغضب والخوف الذي سادت المجتمع الغربي من الإسلام، قامت بعض الدول بإجراءات تمنع المظاهر الإسلامية كبناء الجوامع أو الآذان، حتى وصل الأمر إلى حظر الحجاب.
وعبر القرون مرّ الإسلام بالعديد من حملات التشويه والتحريف، إلا أنّ الإسلام فكرًا وعقيدة استطاع أن يحافظ على وسطيته ومرونته رغم كل تلك العقبات، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).