جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ" ﴿الأعراف 80﴾ واذكر أيها الرسول لوطًا عليه السلام حين قال لقومه: أتفعلون الفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها مِن أحد قبلكم من المخلوقين. قوله جل جلاله "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" ﴿الأحزاب 30﴾ بِفَاحِشَةٍ مُّبِينَّةٍ: بالنشوز وسوء خلق يتأذى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا نساء النبي مَن يأت منكن بمعصية ظاهرة يُضاعَف لها العذاب مرتين. فلما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل الله الذنب الواقع منهن عقوبته مغلظة، صيانة لجنابهن وجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك العقاب على الله يسيرًا.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا" ﴿الإسراء 32﴾ "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا" وهو وطء المرأة حراما بلا عقد ولا شبهة عقد "إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً" أي: معصية كبيرة عظيمة والمراد أنه كان عندهم في الجاهلية فاحشة وهو الآن كذلك ومثل هذا في القرآن كثير "وَسَاءَ سَبِيلًا" أي: وبئس الطريق الزنا وفيه إشارة إلى أن العقل يقبح الزنى من حيث إنه لا يكون للولد نسب إذ ليس بعض الزناة أولى به من بعض فيؤدي إلى قطع الأنساب وإبطال المواريث وإبطال صلة الرحم وحقوق الآباء على الأولاد وذلك مستنكر في العقول. وأخبرني المفيد عبد الجبار بن عبد الله بن علي قال حدثنا الشيخ أبوجعفر الطوسي قال حدثنا أبوعبد الله الحسن بن أحمد بن حبيب الفارسي عن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد الجرجرائي قال سمعت أبا عمروعثمان بن الخطاب المعروف بأبي الدنيا يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول في الزنا ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويقطع الرزق ويسرع الفناء وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب وسوء الحساب والدخول في النار أو الخلود في النار. قوله سبحانه "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" ﴿الفرقان 68﴾ والزنا هو الفجور بالمرأة في الفرج وفي هذا دلالة على أن أعظم الذنوب بعد الشرك القتل والزنا وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أي الذنب أعظم؟ قال إن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت ثم أي؟ قال إن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت ثم أي؟ قال إن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديقها "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر" الآية. "ومن يفعل ذلك" قال مقاتل هذه الخصال جميعا "يلق أثاما" أي عقوبة وجزاء لما فعل قال الفراء أثمه الله يأثمه إثما وأثاما أي جازاه جزاء الإثم. قوله سبحانه "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" ﴿يوسف 24﴾ أما البرهان الذي رآه فقد اختلف فيه على وجوه أحدها: أنه حجة الله سبحانه في تحريم الزنا والعلم بالعذاب الذي يستحقه الزاني عن محمد بن كعب والجبائي وثانيها: أنه ما آتاه الله سبحانه من آداب الأنبياء وأخلاق الأصفياء في العفاف وصيانة النفس عن الأدناس عن أبي مسلم وثالثها: أنه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش والحكمة الصارفة عن القبائح روي ذلك عن الصادق عليه السلام ورابعها: أنه كان في البيت صنم فألقت المرأة عليه ثوبا فقال عليه السلام أن كنت تستحين من الصنم فأنا أحق أن أستحي من الواحد القهار عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وخامسها: أنه اللطف الذي لطف الله تعالى به في تلك الحال أوقبلها فاختار عنده الامتناع عن المعاصي وهو ما يقتضي كونه معصوما لأن العصمة هي اللطف الذي يختار عنده التنزه عن القبائح والامتناع من فعلها ويجوز أن يكون الرؤية هاهنا بمعنى العلم كما يجوز أن يكون بمعنى الإدراك. فأما ما ذكر في البرهان من الأشياء البعيدة بأن قيل: إنه سمع قائلا يقول يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنا ذهب ريشه وقيل: أنه رأى صورة يعقوب عاضا على أنامله وقيل: أنه رأى كفا بدت فيما بينهما مكتوبا عليها النهي عن ذلك فلم ينته فأرسل الله سبحانه جبرئيل عليه السلام وقال: أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة فرآه عاضا على إصبعه فكل هذا سوء ثناء على الأنبياء مع أن ذلك ينافي التكليف ويقتضي أن لا يستحق على الامتناع من القبيح مدحا ولا ثوابا وهذا من أقبح القول فيه عليه السلام. " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ" أي: كذلك أريناه البرهان لنصرف عنه السوء أي: الخيانة " والفحشاء " أي: ركوب الفاحشة وقيل: السوء الإثم والفحشاء الزنا " إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ " أي: المصطفين المختارين للنبوة وبكسر اللام المخلصين في العبادة والتوحيد أي: من عبادنا الذين أخلصوا الطاعة لله وأخلصوا أنفسهم له وهذا يدل على تنزيه يوسف وجلالة قدره عن ركوب القبيح والعزم عليه.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ" ﴿العنكبوت 28﴾ أي وأرسلنا لوطا أو واذكر لوطا إذ قال لقومه، وقوله: "إنكم لتأتون الفاحشة" إخبار بداعي الاستعجاب والإنكار، والمراد بالفاحشة إتيان الذكران. وقوله: "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" استئناف يوضح معنى الفاحشة ويؤكده، وكأن المراد أن هذا العمل لم يشع في قوم قبلهم هذا الشيوع أو الجملة حال من فاعل "لتأتون". قوله تعالى: "أ إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر" إلى آخر الآية، استفهام من أمر من الحري أن لا يصدقه سامع ولا يقبله ذو لب ولذا أكد بالنون واللام، وهذا السياق يشهد أن المراد بإتيان الرجل اللواط وبقطع السبيل إهمال طريق التناسل وإلغاؤها وهي إتيان النساء، فقطع السبيل كناية عن الإعراض عن النساء وترك نكاحهن، و بإتيانهم المنكر في ناديهم والنادي هو المجلس الذي يجتمعون فيه ولا يسمى نادية إلا إذا كان فيه أهله الإتيان بالفحشاء أو بمقدماتها الشنيعة بمرأى من الجماعة. وقيل: المراد بقطع السبيل قطع سبيل المارة بديارهم فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف فأيهم أصابه كان أولى به فيأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك وقيل: بل كانوا يقطعون الطرق، وقد عرفت أن السياق يقضي بخلاف ذلك. وقيل: المراد بإتيان المنكر في النادي أن مجالسهم كانت تشتمل على أنواع المنكرات والقبائح مثل الشتم والسخف والقمار وخذف الأحجار على من مر بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط ونحو ذلك وقد عرفت ما يقتضيه السياق. وقوله: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" استهزاء وسخرية منهم، ويظهر من جوابهم أنه كان ينذرهم بعذاب الله وقد قال الله في قصته في موضع آخر: "وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ" (القمر 36).
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل "فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ" ﴿النساء 25﴾ إن الله سبحانه ذكر شرطاً آخر من شروط هذا الزواج، وهو أن يختار الرجل للزواج العفائف الطاهرات من الإِماء اللائي لم يرتكبن البغاء إِذ قال: (محصنات) سوآءً بصورة علنية (غير مسافحات) أو بصورة خفية (ولا متخذات أخذان) أي أصدقاء وأخلاء في السرّ. سؤال: ويمكن أن يرد هنا سؤال هو أنّ النهي عن الزنا بلفظة (غير مسافحات) تكفي وتغني عن النهي عن اتّخاذ الأخدان، فلماذا الوصف الثاني أيضاً ؟ والجواب: ويجاب على هذا: بأن البعض ـ في عهد الجاهلية ـ كان يرى أنّ المذموم فقط هو الزنا العلني والسفاح الظاهر، وأمّا اتّخاذ الأخلاء والرفاق أو الرفيقات في السرّ فلا بأس به، وبهذا يتّضح سبب ذكر القرآن وتصريحه بكلا النوعين. ثمّ إن الله سبحانه قال: (فإِذا أحصنّ فإِن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب). وتتضمن الآية بحثاً حول عقوبة الإِماء إِذا خرجن عن جادة العفة والطهر، وذلك بعد أن ذكر قبل هذا بعض أحكام الزواج بالإِماء، وبعض الأحكام حول حقوقهنّ. والحكم المذكور في هذا المجال هو أن الإِماء إِذا زنين فجزاؤهنّ نصف جزاء الحرائر إِذا زنين، أي خمسون جلدة. ثمّ إِنّ هاهنا نقطة جديرة بالإِنتباه هي أنّ القرآن الكريم يقول في هذا المقام (إِذا أحصنّ) فيكون معناه أنّ الجزاء المذكور إِنّما يترتب على زنا الأمة إِذا أحصنت، فماذا يعني ذلك ؟ لقد احتمل المفسّرون هنا احتمالات عديدة، فبعضهم ذهب إِلى أنّ المراد هو الأمة ذات بعل (وذلك حسب الإِصطلاح الفقهي المعروف والآية السابقة). وذهب آخرون إِلى أنّ المراد هي الأمة المسلمة، بيد أن تكرار لفظة المحصنة مرتين في الآية يقضي بأن يكون المعنى واحداً في المقامين، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإِن جزاء النساء المحصنات هو الرجم لا الجلد، فيتّضح أنّ التّفسير الأوّل وهو تفسير المحصنة بالأَمة ذات بعل غير مقبول، كما أنّ التّفسير الثّاني وهو كون المراد من المحصنة هو المسلمة ليس له ما يدل عليه. فالحقّ هو أنّ مجيء لفظة (المحصنات) في القرآن الكريم بمعنى المرأة العفيفة الطاهرة ـ على الأغلب ـ يجعل من القريب إِلى النظر أن تكون لفظة المحصنة هنا في الآية الحاضرة مشيرة إِلى هذا المعنى نفسه، فيكون المراد أنّ الإِماء اللأتي كن يرتكبن الفاحشة بضغط وإجبار من أوليائهنّ لا يجري عليهنّ الحكم المذكور (أي الجلد)، أمّا الإِماء اللاتي لم يتعرضن للضغط والإِجبار، ويمكنهنّ أن يعشن عفيفات نقيات، فإِنهنّ إِذا أتين بالفاحشة عوقبن كما تعاقب الحرائر وإِن كانت عقوبة هذا النوع من الإِماء على النصف من حدّ الحرائر في الزنا.
وعن المساحقة يقول السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه: أما بالنسبة إلى المساحقة، فالظاهر أن الآية المباركة دالة على ذلك فلا حاجة لرواية وهو قوله تعالى: "وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً" (النساء 15)، حيث فسرت هذه الآية في مجمع البيان وغيره بالزنا، ومن أجل ذلك ذكر جماعة أن هذه الآية منسوخة بآية الرجم. وقد ذكرنا في تفسيرنا البيان أن الفاحشة الجنسية الصادرة من البشر، إما أن تكون من ذكرين وهو المسمى باللواط، أو من انثيين وهو المسمى بالمساحقة، أو من رجل وامرأة وهو المسمى بالزنا، والظاهر أن الآيات الكريمة كل منها ناظرة إلى أحد هذه الأمور فقوله تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة " (النور 2) ناظر إلى الزنا وقوله تعالى: "وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا" (النساء 16) ناظر إلى اللواط، وقوله تعالى: "وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنكُمْ" (النساء 15) إما ظاهر في خصوص المساحقة في مقابل اللواط بقرينة ما بعده، أو الاعم منها ومن الزنا، لا أنها مختصة بالزنا، فان تفسيرها وتخصيصها به كما في المجمع وغيره لم يعرف له أي وجه. إذن فتدل الآية المباركة على أن في المساحقة لابدّ من شهادة أربعة رجال، ولا يكتفى بشهادة رجلين، ولا حاجة في ذلك إلى رواية. وأما بالنسبة إلى اللواط فيمكن دعوى أن عدم ذكر الشهود في الآية الكريمة أي يحتمل أنه لأجل الاكتفاء بذكره فيما قبلها بلا فصل، فان الآية الثانية وهي قوله تعالى: "وَاللَّذَانِ"، متصلة بالاية الاولى وهي قوله: "وَاللاَّتِي"، فالآية الاولى قرينة على أن مورد الآية الثانية أيضاً يحتاج إلى أربعة رجال.
الابتزاز نوع من اشاعة الفاحشة التي تؤدي الى فساد المجتمع. وللقضاء على الفساد تبدأ بالقضاء على الفاحشة "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " (النور 19). فالفاحشة من الأعمال المحرمة ولكنها إذا شاعت اصبح عقاب مروجيها شديد. جاء في موقع إسلام أون لاين عن الابتزاز الإلكتروني للكاتب مصطفى عاشور: أن الموقف الإسلامي شديد الوضوح في مقاومة الابتزاز الإلكتروني، إذ يعتبره نوعا من الرغبة في إشاعة الفاحشة، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" (النور 19)، وقد تحدث أصحاب التفاسير حول هذه الآية كثيرا، إذ أن الآية نصت على عقوبة دنيوية وأخروية على من يحب إشاعة الفاحشة، حتى وإن لم يفعل شيئا ماديا، لأن التلذذ برؤية الفاحشة تستشري في المجتمع، خُبث في نفس يستحق العقاب، وما يمنع هذه النفس عن ارتكاب الفاحشة أو إذاعتها ليس التقوى والورع، ولكن عدم القدرة، يقول الإمام “الرازي” في تفسير هذه الآية: (وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح)، وجاء في تفسير “الظلال” أن هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة: ”إنما يعملون على زعزعة ثقة الجماعة المؤمنة بالخير والعفة والنظافة، وعلى إزالة التحرج من ارتكاب الفاحشة، وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها. وبذلك تشيع الفاحشة في النفوس، لتشيع بعد ذلك في الواقع” أي أن هؤلاء يُشيعون الفاحشة في الواقع الافتراضي قبل أن يُشيعوها في الواقع المُعاش، لذلك شددت الآية على الجانب الوقائي، والوقاية تبدأ من تنقية القلوب قبل ضبط الجوارح. كذلك نهى الإسلام عن تتبع عورات الناس، واعتبر أن من يفعل ذلك يكون عقابه الفضيحة، إضافة إلى عذاب الآخرة، ففي حديث الترمذي (صعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله).
جاء في صفحة التوحيد: ما الفرق بين الفاحشة والفحشاء والفواحش؟ وعن الفحشاء يقول الحق سبحانه وتعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء" (البقرة 268) "وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ" (النور 21). ويقول أيضًا: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون* يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون* وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون" (الاعراف 26-28). ومن تلك الآيات نجد أن الفحشاء هي نزع اللباس وكشف السوءة ويأمر بها الشيطان وينهى عنها الحق سبحانه وتعالى. وتأكيدًا لهذا المعنى يقول الحق سبحانه وتعالى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز: "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين" (يوسف 24). أي أن الحق سبحانه وتعالى صرف عنه الفحشاء وهي مرحلة نزع الملابس وإظهار المفاتن والعورة فقط من امرأة العزيز. ولهذا يقول الحق سبحانه وتعالى عن الصلاة: "إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ" (العنكبوت 45). لأن ستر الجسم من شروط الصلاة وبالتالي فإن المحافظة عليها تستوجب مداومة ستر الجسم والابتعاد عن إظهار السوءة والبعد عن الفحشاء. وعن الفواحش. يقول الحق سبحانه وتعالى: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (الانعام 151) "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (الاعراف 33) "وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ" (الشورى 37) "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ" (النجم 32). إذن: الفحشاء لم يقع بها الشخص وكانت نظريه. الفاحشه من وقع فيها عمليا. الفواحش تحذير ولم يقع بها.