جاء في کتاب الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام للسيد سامي البدري: عن نظرية الحكم الإسلامي في الفكر الإمامي الاثني عشري: تقوم نظرية الحكم الإسلامي في الفكر الإمامي الاثني عشري على النص والبيعة والشورى. أمّا النصّ فيعيّن المؤهلين الذين لهم حقّ الحكم بالاسم أو بالمواصفات، وأشهر النصوص قوله تعالى في سورة المائدة الآية 44: "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأْحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ" (المائدة 44). وهذا النص من أوضح النصوص وأشملها في بيان ذلك، والربانيون في الآية هي منزلة الأئمّة. أمّا البيعة فتمكن المنصوص عليه من النهوض بالحكم فعلاً، وسيرة النبي صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام توضّح دور البيعة وأهميّتها في التمكين والقدرة، وليس في تأسيس الحقّ. أمّا الشورى فهي اُسلوب ممارسة الحكم من الحاكم فيما لا نصّ فيه، وسيرة النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام غنية بالشواهد على ذلك. "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأْحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ" (المائدة 44). فالحكم في زمن النبي صلى الله عليه وآله مختصّ به ومَنْ يأذن له فيه، وفي زمن أوصيائه عليهم السلام مختصّ بهم ومَنْ يأذنوا له فيه، وفي عصر الغيبة مختصّ بالفقهاء العدول.
وعن المراحل التاريخيّة لعمل الأئمّة عليهم السلام في مواجهة الفتن والضلالات الأساسيّة يقول السيد سامي البدري حفظه الله: أخبر القرآن الكريم بوقوع انقلاب على الأعقاب، وفتن وضلالات بعد النبي صلى الله عليه وآله: "وما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (آل عمران 144)، وقوله: "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ" (الانشقاق 19). وأكَّد النبي صلى الله عليه وآله ذلك بأحاديث كثيرة، اختصر في بعضها وفصَّل في بعضها الآخر، وممّا فصّل فيه إخباره صلى الله عليه وآله بانقلاب بني اُميّة ودولة بني مروان ومُدَّتهم، وانقلاب بني العباس على أهل البيت عليهم السلام، وفتنة الدَّجّال في آخر الزمان والسفياني. وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وآله أنّ النجاة من هذه الفتن وضلالاتها الناتجة عنها هو التمسك بالقرآن والعترة، ذكرهما مقترنين مرّة كما في حديث الثقلين، وذكر أهل بيته عاصمين من الضلالة منفردين أخرى كما في حديث السفينة: (مثل أهل بيتي كسفينة نوح مَنْ ركبها نجا).
وعن خلاصة بالواقع التاريخي لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وعلي والحسن عليهم السلام في أداء وظيفتهم الإلهيّة قبل حركة الحسين يقول السيد البدري في كتابه: عهد النبوّة الخاتمة: قال تعالى: "هُو الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (الجمعة 2-5) الاُمّيون هم (قريش) ساكنو مكّة ومَنْ دانَ بدينهم من القبائل العربية في الحجاز، ودينهم هو دين إبراهيم، وقد حُرِّف على مراحل كان أخطرها نصب الأصنام على الكعبة، وتحويل بيت إبراهيم الذي شُيِّد على التوحيد إلى بيت عبادة للأصنام. وكان آخر مراحل التحريف لدين إبراهيم هو ما قامت به قريش بعد حادثة الفيل من ابتداعها بدعة الحُمْس، وفصلها بين العمرة والحج، وفرضها على الناس أن يحجّوا بثياب قريش ليُقبَل حجُّهم، وتسمَّوْا جميعاً باسم (آل الله) بدلاً من حصر ذلك في بيت عبد المطلب، الذي أجرى الله تعالى على يده آياته ليميّزه بها عن بقية قريش. وشاءت حكمة الله أن يجعل القرآن بحاجة إلى شرح وتفصيل: "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثمّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" (القيامة 18-19)، وشاءت حكمته تعالى أن يكون النبي صلى الله عليه وآله مصدر البيان: "وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم" (النحل 44). وبعبارة اُخرى: أن يؤخذ تفصيل القرآن وبيانه من سنة النبي (قوله وفعله وتقريره)، وبذلك صار الإسلام عبارة عن كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله. بلَّغ النبي صلى الله عليه وآله القرآن وبيانه، وقام المجتمع الإسلامي على اتّباع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله. وكَتَبَ علي عليه السلام بأمر النبي صلى الله عليه وآله كلَّ السنّة النبوية المطهّرة من خلال لقاءات خاصّة بينهما، وجعلها في صُحُف لتكون تراثاً إلهياً للأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، نظير تراث آل هارون المذكور في القرآن قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (البقرة 246) "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً" (البقرة 247) "إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ" (البقرة 248)؛ وبذلك صار علي عليه السلام والطاهرون من ذرّيته عليهم السلام المدخلَ الأمين والوحيد إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله الكاملة، والعِدلَ الوحيد للقرآن لتحقيق الهداية التفصيلية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله. وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك بقوله: (إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وقوله صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وقوله صلى الله عليه وآله: (يا علي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبي بعدي)، وقوله صلى الله عليه وآله: (يا علي، لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق)، وجعل النبي صلى الله عليه وآله ولاية أوّل أهل بيته علي عليه السلام هي ولايته إلى آخر الدنيا حين قال: (مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه).
وعن عهد خلافة قريش المسلمة يقول السيد سامي البدري حفظه الله: خطّطت قريش المسلمة للالتفاف على الإسلام واحتوائه بعد النبي صلى الله عليه وآله تحت شعار (حسبنا كتاب الله) في حياة النبي صلى الله عليه وآله من أجل فصل الكتاب عن السنّة. ونجحت في استلاب السلطة من صاحبها الشرعي الإمام علي عليه السلام، "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" (آل عمران 144)، وفرضت على المسلمين أن تكون الإمامة الدينية والسياسية في رجالات قريش وليست في أهل البيت عليهم السلام، وأعادت الأمر جاهليّة باسم الإسلام. وقال رجالاتها في السقيفة: إنّ العرب لا ترضى أن يكون هذا الأمر في غير قريش. ثمّ فرضت بيعة أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان بالقوّة، وكانت سياستهم هي أن تتداول بطون قريش وقبائلها الإمامة الدينية والسياسية ويمنعونها بني هاشم.
وعن صلح الحسن عليه السلام لحفظ وحدة القبلة وتثقيف أهل الشام بالسنّة يقول السيد البدري في كتابه: وكان الحسن عليه السلام أمام هذا العرض بين إحراجين: [الأوّل:] فهو إن رفض اُطروحة الصلح يكون قد سجّل على نفسه أمام الشاميين مخالفة لقوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُو اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" (الأنفال 60) "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا" (الأنفال 61)، ويكون بذلك قد أمدَّهم بمبرر قويّ لحربه.