عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ " وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ" (فاطر 10) "الذين" بدل أو نعت للمنافقين "يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين" لما يتوهمون فيهم من القوة "أيبتغون" يطلبون "عندهم العزة" استفهام إنكار أي لا يجدونها عندهم، "فإن العزة لله جميعا" في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه.
عن موقع مع الله اسلوب التكرار في القرآن الكريم: عن مُوسَىٰ عليه السلام قال الله تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر 23-29) فكلما تكرر هذا الاستعراض، كان هناك مجال لتملي هذا الشريط، الذي يقف مرة عند كل نبي، ثم يمضي في عرضه مطردًا. حتى يقف محمد صلى الله عليه وسلم أمام كفار قريش، فإذا هو يقول القولة الواحدة، وإذا هم يردون ذلك الرد المكرور. قال الله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف 158).
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿النساء 139﴾ في هذه الآية دلالة على أن الآية المتقدمة، نزلت في شأن المنافقين، وأنه الأصح من الأقوال المذكورة، ثم وصف هؤلاء المنافقين، فقال: "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ" أي: مشركي العرب، وقيل: اليهود "أَوْلِيَاءَ" أي: ناصرين، ومعينين، وأخلاء "مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" أي: من غيرهم "أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ" أي: أيطلبون عندهم القوة والمنعة، باتخاذهم هؤلاء أولياء من دون الإيمان بالله تعالى، ثم أخبر سبحانه أن العزة والمنعة له، فقال: "فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا" يريد سبحانه: إنهم لو آمنوا مخلصين له، وطلبوا الاعتزاز بالله تعالى، وبدينه، ورسوله، والمؤمنين، لكان أولى بهم من الاعتزاز بالمشركين، فإن العزة جميعا لله سبحانه، ومن عنده، يعز من يشاء، ويذل من يشاء.. قوله سبحانه "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ" ﴿فاطر 10﴾ "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" اختلف في معناه فقيل المعنى من كان يريد علم العزة وهي القدرة على القهر والغلبة لمن هي فإنها لله جميعا عن الفراء وقيل معناه من أراد العزة فليتعزز بطاعة الله فإن الله تعالى يعزه عن قتادة يعني أن قوله "فلله العزة جميعا" معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة كما يقال من أراد المال فالمال لفلان أي فليطلبه من عنده يدل على صحة هذا ما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: (أن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز). "إليه يصعد الكلم الطيب" والكلم جمع الكلمة يقال هذا كلم وهذه كلم فيذكر ويؤنث وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء يجوز فيه التذكير والتأنيث ومعنى الصعود هاهنا القبول من صاحبه والإثابة عليه وكلما يتقبله الله سبحانه من الطاعات يوصف بالرفع والصعود لأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ويرفعونها إلى حيث شاء الله تعالى وهذا كقوله إن كتاب الأبرار لفي عليين وقيل معنى إليه يصعد إلى سمائه وإلى حيث لا يملك الحكم سواه فجعل صعوده إلى سمائه صعودا إليه تعالى كما يقال ارتفع أمرهم إلى السلطان والكلم الطيب الكلمات الحسنة من التعظيم والتقديس وأحسن الكلم لا إله إلا الله. "والعمل الصالح يرفعه" قيل فيه وجوه (أحدها) العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله فالهاء من يرفعه يعود إلى الكلم وهو معنى قول الحسن (والثاني) على القلب من الأول أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب والمعنى أن العمل الصالح لا ينفع إلا إذا صدر عن التوحيد عن ابن عباس (والثالث) أن المعنى العمل الصالح يرفعه الله لصاحبه أي يقبله عن قتادة وعلى هذا فيكون ابتداء إخبار لا يتعلق بما قبله. ثم ذكر سبحانه من لا يوحد الله سبحانه فقال "والذين يمكرون السيئات" أي يعملون السيئات عن الكلبي وقيل يمكرون أن يشركون بالله وقيل يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في دار الندوة عن أبي العالية وهو قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية "لهم عذاب شديد" في الآخرة ثم أخبر سبحانه أن مكرهم يبطل فقال "ومكر أولئك هو يبور" أي يفسد ويهلك ولا يكون شيئا ولا ينفذ فيما أرادوه.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿النساء 139﴾ قوله تعالى: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " استفهام إنكاري ثم جواب بما يقرر الإنكار فإن العزة من فروع الملك، والملك لله وحده، قال تعالى " قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ": (آل عمران 26)..قوله سبحانه "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ" ﴿فاطر 10﴾ "مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً". قوله تعالى: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" قال الراغب في المفردات،: العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي صلبة قال تعالى: "أ يبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" انتهى. فالصلابة هو الأصل في معنى العزة ثم توسع فاستعمل العزيز فيمن يقهر ولا يقهر كقوله تعالى: " يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا " (يوسف 88). وكذا العزة بمعنى الغلبة قال تعالى: "وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" (ص 23) والعزة بمعنى القلة وصعوبة المنال، قال تعالى: " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ" (فصلت 41) والعزة بمعنى مطلق الصعوبة قال تعالى: "عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ " (التوبة 128): "والعزة بمعنى الأنفة والحمية قال تعالى " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ" (ص: 2) إلى غير ذلك. ثم إن العزة بمعنى كون الشيء قاهرا غير مقهور أو غالبا غير مغلوب تختص بحقيقة معناها بالله عز وجل إذ غيره تعالى فقير في ذاته ذليل في نفسه لا يملك لنفسه شيئا إلا أن يرحمه الله ويؤتيه شيئا من العزة كما فعل ذلك بالمؤمنين به قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون 8(. وبذلك يظهر أن قوله: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" ليس بمسوق لبيان اختصاص العزة بالله بحيث لا ينالها غيره وأن من أرادها فقد طلب محالا وأراد ما لا يكون بل المعنى من كان يريد العزة فليطلبها منه تعالى لأن العزة له جميعا لا توجد عند غيره بالذات. فوضع قوله: "فلله العزة جميعا" في جزاء الشرط من قبيل وضع السبب موضع المسبب وهو طلبها من عنده أي اكتسابها منه بالعبودية التي لا تحصل إلا بالإيمان والعمل الصالح. قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" الكلم كما قيل اسم جنس جمعي يذكر ويؤنث، وقال في المجمع: والكلم جمع كلمة يقال؟ هذا كلم وهذه كلم فيذكر ويؤنث، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء يجوز فيه التذكير والتأنيث انتهى. والمراد بالكلم على أي حال ما يفيد معنى تاما كلاميا ويشهد به توصيفه بالطيب فطيب الكلم هو ملاءمته لنفس سامعه ومتكلمه بحيث تنبسط منه وتستلذه وتستكمل به وذلك إنما يكون بإفادته معنى حقا فيه سعادة النفس وفلاحها. وبذلك يظهر أن المراد به ليس مجرد اللفظ بل بما أن له معنى طيبا فالمراد به الاعتقادات الحقة التي يسعد الإنسان بالإذعان لها وبناء عمله عليها والمتيقن منها كلمة التوحيد التي يرجع إليها سائر الاعتقادات الحقة وهي المشمولة لقوله تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم 24-25) وتسمية الاعتقاد قولا وكلمة أمر شائع بينهم. وصعود الكلم الطيب إليه تعالى هو تقربه منه تعالى اعتلاء وهو العلي الأعلى رفيع الدرجات، وإذ كان اعتقادا قائما بمعتقده فتقربه منه تعالى تقرب المعتقد به منه، وقد فسروا صعود الكلم الطيب بقبوله تعالى له وهو من لوازم المعنى. ثم إن الاعتقاد والإيمان إذا كان حق الاعتقاد صادقا إلى نفسه صدقه العمل ولم يكذبه أي يصدر عنه العمل على طبقه فالعمل من فروع العلم وآثاره التي لا تنفك عنه، وكلما تكرر العمل زاد الاعتقاد رسوخا وجلاء وقوي في تأثيره فالعمل الصالح وهو العمل الحري بالقبول الذي طبع عليه بذل العبودية والإخلاص لوجهه الكريم يعين الاعتقاد الحق في ترتب أثره عليه وهو الصعود إليه تعالى وهو المعزى إليه بالرفع فالعمل الصالح يرفع الكلم الطيب. فقد تبين بما مر معنى قوله: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" وأن ضمير "إليه" لله سبحانه والمراد بالكلم الطيب الاعتقاد الحق كالتوحيد، وبصعوده تقربه منه تعالى، وبالعمل الصالح ما كان على طبق الاعتقاد الحق ويلائمه وأن الفاعل في "يرفعه" ضمير مستكن راجع إلى العمل الصالح وضمير المفعول راجع إلى الكلم الطيب. ولهم في الآية أقوال أخر: فقد قيل: إن المراد بصعود الكلم الطيب قبوله والإثابة عليه كما تقدمت الإشارة إليه، وقيل: المراد صعود الملائكة بما كتب من الإيمان والطاعات إلى الله سبحانه، وقيل: المراد صعودهم به إلى السماء فسمي الصعود إلى السماء صعودا إلى الله مجازا. وقيل: إن فاعل "يرفعه" ضمير عائد إلى الكلم الطيب وضمير المفعول للعمل الصالح والمعنى أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح أي أن العمل الصالح لا ينفع إلا إذا صدر عن التوحيد، وقيل: فاعل "يرفعه" ضمير مستكن راجع إليه تعالى والمعنى العمل الصالح يرفعه الله. وجملة هذه الوجوه لا تخلو من بعد والأسبق إلى الذهن ما قدمناه من المعنى.