لم يرد اسم هيرودس في التوراة ، ولكنه ورد في الإنجيل حيث ولد يسوع المسيح في زمنه حسب زعم الإنجيل حيث يقول : (ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس قد جاءوا من المشرق إلى أورشليم).(1) من بين الأناجيل الأربعة فقط إنجيل متى يذكر ذلك ، وتغافلت ثلاث أناجيل فلم تذكر أي شيء عن هيرودس او المجوس. والغريب مع أن النص مبهم وفيه اضطراب تاريخي مريع إلا أن تبريرات المفسرين كانت اشد غرابة.
النص المذكور في إنجيل متى فيه مغالطات تاريخية وتفسيرية.
التاريخية: أن هيرودس الملك توفى قبل أربع سنوات من مولد يسوع المسيح ، فكان موت هيرودس على أقل تقدير او اكثره قبل ولادة يسوع المسيح بسنتين إلى أربع سنوات حسب ما ذكره المؤرخ يوسيفيوس. من أن موت هيرودس صاحبهُ كسوف قمري. وهذا الكسوف حصل ويسوع لم يولد بعد.
أما المغالطات التفسيرية : لم يذكر إنجيل متى عدد المجوس الذين جاءوا من المشرق، ولكننا نرى التفسير المسيحي يجعلهم ثلاث من كبار المنجمين ويقوم بتضخيم شأنهم فيجعل لهم الكثير من الأتباع كما نقرأ في تفسير إنجيل متى: (المجوس هم المنجمون الذين كانوا يهتمون بدراسة الطب والفلك، وكانوا علماء في بلادهم، ويُعتبَرون كهنة أيضا، ولهم مكانة عظيمة. وقد أتوا من المشرق، غالبًا من فارس أو العراق، ولم يُذكَر عددهم لكن على الأقل كان فيهم ثلاثة متقدمون، وقد يكون تابعا لهم عدد كبير؛ وكانوا قد سمعوا نبوات من أجدادهم عن ظهور نجم يشير إلى ميلاد ملك عظيم. وقد قال بَلْعَامُ ابن بَعور النبي ذلك، وهو من المشرق حيث يسكنون: (أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريبا. يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم طرفي موآب، ويهلك كل بني الوغى. ويكون أدوم ميراثا، ويكون سعير أعداؤه ميراثا. ويصنع إسرائيل ببأس).(2)
إضافة إلى اعتماد المفسر على الظن والتخمين في تفسير هذا النص فقد أضاف نصا من التوراة لا علاقة له بالانجيل ولا بالمجوس ولا بميلاد يسوع المسيح ثم زعم أن هذا النص بشارة بميلاد يسوع المسيح فيقول : بأن الكوكب الذي يبرز من يعقوب هو يسوع المسيح وأنه سيُحطم طرفي مدن موآب، ويهلك كل بني الحروب ــ الوغى ــ ويصنع إسرائيل ببأس. عجيب والله ، أين هذا البأس الذي ظهر من يسوع المسيح وأين هي المدن التي حطمها وأين اهلك كل أبطال الحروب وأين ومتى زرع البأس ببني إسرائيل، وهم تسببوا في مقتله؟
الإنجيل نفسه عندما يذكر يسوع المسيح يغالط نفسه حيث يقول بأن يسوع المسيح كان رسول سلام ومحبة وتسامح وامر أتباعه بأن (من يضربهم على خدهم الأيمن أن يُديروا له الإيسر، ومن أخذ ثوبهم فليعطوه القميص ، ومن سخّرهم ميلين فليذهبوا اربع أميال).(3) ثم يأتيك المفسر المسيحي فيتناول نصا من التوراة ويرميه في الإنجيل ويقول بأنه بشارة بميلاد يسوع المسيح محطم موآب ويهلك كل أبطال الوغى. هذه بشارة تتعلق بنبي عظيم له جيوش وأبطال ويخوض حروب ويؤسس دولة. وهذا مما لم يفعله يسوع المسيح. تعالوا لنقرأ ماذا يقول المفسر المسيحي عن هذا النص.
يقول في تفسير الكتاب المقدس : (طرفى موآب: أي قوته لأن الشعب يحصن حدوده بقوته العسكرية والمقصود تحطيم قوته في الحرب والمقصود إهلاك كل من يحاربه، قد يبدو حديث بلعام مبهما، ولكنه يتكلم عن شخص ما. إنهُ إنسان ولكن زمن مجيئه ليس في الزمن الحالي ولكنهُ سوف يأتي في المستقبل البعيد ، وهو ملك وصاحب سلطان وسيادة مطلقة. وبمجيئه يعلن نهاية العبادات الوثنية، يتسلط ويبيد الأشرار بسلطان ملكه الدائم. أنه يملك على الشعوب المجاورة ويخضعها له، فتؤمن به الأمم ويملك على قلوبهم).(4)
هل يستطيع أحد أن يدلني على معركة خاضها يسوع المسيح حطم فيها العبادات الوثنية ودام ملكه وله السيادة المطلقة وملك الشعوب المجاورة، أين ذلك وكل فترة تبليغ يسوع المسيح بلغت ثلاث سنوات بشهادة الإنجيل. حيث بُعث في الثلاثين من عمره، وارتفع عنهم في الثالثة والثلاثين.(5)
لازلتم إلى هذا اليوم أنتم واليهود تنسجون بطولات وهمية تخدعون بها الناس، وأنتم كلككم جبناء بشهادة التوراة والانجيل، لم تنتصروا في أي حرب مقدسة كانت أو مدنّسة، وعندما توشكون على الهزيمة ترتكبون ابادات جماعية ضحاياها النساء والأطفال، وترعبون الآخرين ليس ببطولاتكم بل بالخراب الذي تتسببونه في بيوت الناس.(6)
المصادر:
1- إنجيل متى 1 : 2.
2- سفر العدد 24: 17.
3- إنجيل متى 5 : 41.
4- تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: تفسير سفر العدد : 24.
5- إنجيل لوقا 3 : 23. (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة).
6- (أن المدينة التي يعطيك الرب الهك تجعلها خراب تل من التراب ابدي لا تُبنى بعد، وتُبيد أهلها بالسيف وتحرمهم تحريما الطفل والشيخ والعذراء حتى الحمير والبقر وبطون الحوامل تبقر. تحرقها بالنار وتجعلها تلا لا تُبنى بعد).