في قواميس المعاني ، الدابة : كل ما يمشي على الأرض ذكرا كان أو أنثى، عاقلا كان أو غير عاقل : (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها).(1) وكذلك : (إن شرَ الدواب عند الله الذي كفروا).
كثيرة هي الأمور التي حذفوها أو وضعوها في كتب جانبية لأن تفسيرها إما يسبب لهم إحراجا أو لأنها ستتحقق في دين آخر عند أمم أخرى. فكثير من الأمور يتم التستر عليها لأنها عصية على الفهم أو تُسبب إحراجا تفسيريا لديهم . او لأنها تشكل خطرا عليهم لأنها تُشير إلى أشخاص محددين وأماكن محددة لا تنطبق على أحد منهم . فقد جاء ذكر دابة الأرض ثلاث مرات في معان مختلفة سآتي على ذكرها. ولكن ورد في ملاحق التلمود ومن ثم في رؤيا يوحنا بتحريف مريع ما مفاده: (حينئذ سجد يوياقيم ووجهه الى الأرض وظل هكذا من الساعة السادسة حتي المساء وارتعب خدامه وخافوا جدا ، ثم رفع رأسه وقال كنت استمع إلى خطوات الدابة وهي تجس الأرض فنحن ننتظر ظهورها لتختم الأفواه وتُكبل الشياطين وتضع فرجتي السيف على الأمم الباطلة إنها علامة سليمان وتحمل ختمه فمن لا يملك سمة الخاتم سيفنى).
هذه الرواية لا يمكن أن استشهد بها على العام فانا لا يمكن ان اكتب بحثا ومصادره غير متوفرة بين أيدي قارئ ولكن من ناحيتي فهي موجودة وهي أمامي في نصوص غير معترف بها من قبل الكنيسة.الكنيسة التي لا تزال منذ ألفين عام تختلف في تفسير كلمة واحدة وهي : (كسيلن أو كسولن) ، والتي تعني شجرة أو وتد أو خشبة مستقيمة فيترجموها صليب !! بينما كل المراجع العالمية لمفردات الكتاب المقدس تقول أنها عمود او شجرة حيث كان الرومانيون يعلقون المجرمين عليها. فكانت الكنيسة تُترجم كلمة كسولن إلى صليب رغما عن كل المراجع لأنهم لو ترجموها إلى حقيقتها (عمود أو شجرة) لرمى كل المسيحيين الصليب من أعناقهم ولربما يعلقوا بدلا عنه شجرة أو عمود. ونظير ذلك هو كلمة دابة، فقد ترجموها إلى (وحش). الذي ذكره يوحنا في رؤياه ويطلقون عليه أيضا لقب (النبي الكذاب). لأنهم علموا أن الدابة ليست من صميم الديانة المسيحية ولا اليهودية بل هي ستظهر في دين جديد عند نهاية الأزمنة. ولذلك قاموا بتشويه كل النصوص المتعلقة بنبوءة الدابة التي تضع على الناس السمة، يقول سفر الرؤيا عن الدابة أو (الوحش) : (وأعطي سلطانا على كل قبيلة ولسان وأمة. فيسجد له جميع الساكنين على الأرض. ويصنع آيات عظيمة، ويجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم).(2) وهذا النص هو الذي ورد شبيه له في القرآن والاحاديث الإسلامية . ولكن عندما رأى كهنة المعبد أنهُ سيحصل عند أمة أخرى ودين آخر قاموا بتشويهه تشويها مريعا. فجعلوا الدابة أو الوحش كما يُطلقون عليه مصدر شر للناس وأنه نبي كذّاب.
نعود للنص . يقول النص بأن يوياقيم سجد على الأرض في مدينة بابل في العراق واضعا أذنه عليها وبقى فترة طويلة حتى ارتعب عبيده، وعندما رفع راسه قال لهم : (كنت استمع إلى خطوات الدابة وهي تجس الأرض فنحن ننتظر ظهورها فتضع السمة على أيديهم وجباههم). وبالسؤال عن يوياقيم نجد أنهُ رجلٌ صالح ولربما نبي حيث نجد ذكره في التوراة في (وكان في بابل رجل اسمه يوياقيم وكان متزوجا ابنة حلقيا وكان يوياقيم غنيا جدا وكان اليهود يجتمعون اليه لأنه كان أوجههم جميعا).(3)
إذن فإن يوياقيم كان رجل متقي وهو شخص وجيه فكلامه الآنف الذكر صحيح يُمكن الركون إليه .
يقول يوياقيم : بانه إنما سجد هذه الساعات الطويلة لكي يستمع إلى خطوات (دابة الأرض) وهي تجس الأرض .(4) ومن علامات هذه الدابة أنها تُكلم الناس بكل لغاتهم أوانها تحمل معها خاتم لتضع سمة الإيمان أوسمة الكفر على جباه الناس ـ تُكلمهم أي تجرحهم ــ فمن تختمه بالخاتم على جبينه يكون وجهه مشرقا ومن تختمه على أنفه أو يده يكون وجهه مظلما اسود وهو قول ابن عباس : (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم). وفي قول عن ابن عباس تخاطبهم . ويقول ابن كثير تعقيبا على كلام ابن عباس: وهو قول حسن ولا منافاة والله أعلم.(5
أما في القرآن يقول الرب: (إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ).(6).
يقول القرطبي: (أن الدابة إنسان متكلم يُناظر أهل البدع والكفر ويُجادلهم ، لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينه).(7) والناس سوف يعرفون هذه الآية ولذلك يخاطبهم الرب فيقول: (سيريكم آياته فتعرفونها).( 8 )
وقال المفسرون أيضا أن الدابة تخرج من المكان الذي ولدت فيه . تخرج من مكة من أعظم المساجد ــ الكعبة ــ وقال الطبراني في الأوسط عن حذيفة : ( تخرج الدابة من أعظم المساجد ، فبينما هم كذلك إذ تصدعت عليهم الدابة).(9) وتصدعت كلمة بمعنى تخرج من الصدع أي الجدار المشقوق. ولربما يُشير إلى حائط المستجار الذي انشق عند ولادة علي.(10)
وأما في بيان من تكون هذه الدابة فقد ورد عن الأصبغ بن نباتة قال: (قال لي معاوية: يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض؟ ــ يعني الذي يمشي على الأرض يدب منذ أن خلقها الله ــ قلتُ: نحن نقول وأهل الكتاب يقولون. قال: فأرسل إلى رأس الجالوت فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم مكتوبة؟ فقال: نعم، فقال: وما هي أتدري ما أسمها؟ قال: نعم، اسمها: إيليا.
قال(الأصبغ) فالتفت إليّ (معاوية) فقال: ويحك يا أصبغ ما أقرب إيليا من علي).(11)
وفي ملاحظة من الكتاب المقدس فإن إيليا شخصية ستأتي آخر الزمان تُقيم العدل والسلام.
المصادر :
1- هود آية : 6.
2- سفر الرؤيا 13 : 7 ــ 16.
3- تتمة سفر دانيال 2: 4.
4- ) ومن هنا أطلق علماء ا ليهود على الدابة لقب (الجسّاسة) كما في الحديث الوارد عن تميم الداري. صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة.
5- ) تفسير ابن كثير ج3 ص 375.
6- سورة النمل آية :82. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الأرض فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة الذي ذكره الله في كتابه فقال: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك. تفسير الميزان الطباطبائي ج15 ص : 405.
7- تفسير القرطبي ص : 384.
8- وقول الرب بصيغة الجمع (آياته) تعني ما سوف يرونه من عودة عليا حيا. وخروجه من الصدع. وضع العلامات عليهم.
9- مجمع الزوائد ج8 ص : 7، ورواه الطبراني في الأوسط وقال : رجاله ثقات.
10- في قاموس المعاني يقول : الصدع : الشق في الشيء، صدع الحائط ونحوه : شقّه، كسره دون انفصال أجزائه.
11- بحار الأنوار ج39ص:244.