في ظلال طوفان الأقصى 79 أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
لا يوجد لدى الرب أعمال ناقصة أو انصاف حلول ، كل مقاصد الرب تامة كاملة تصدر عن حكمة وتدبر وجميع غاياتها تصب في صالح البشر ولكن البشر يتمردون على وصايا الرب وينقلبوا على اعقابهم في عملية ارتداد تكمن ورائها مصالح واهداف دنيوية تعميهم عن ثواب الآخر واجر الملكوت الذي لا يزول .
من الاحداث التي لم تغفلها الكتب السماوية بل اعتبرتها القطب الذي تدور حوله احداث الديانات كافة تلك هي النبوة والخلافة التوأمان اللذان لا يفترقان.
فمسيرة الاحداث واحدة منذ ان خلق الرب عالم الأشياء ومن عليه، وكلها تدل على أن المخطط واحد.
من هذه الاحداث التي ذكرتها الكتب السماوية هي خلافة الأنبياء، وتذكر التوراة وهي أقدم الكتب الدينية قصة البيعة لشخص يخلف موسى. النص يقول أن موسى رفع نظره إلى السماء : (( فكلم موسى الرب قائلا : ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة يخرج امامهم ويدخل امامهم ويُخرجهم ويُدخلهم ، لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها )) (1)
هذه هي امنية جميع الانبياء ان يخلفهم من بعدهم شخص يختاره الرب كما في طلب محمد نبي الاسلام عندما قال لربه : ((اللهم اني أسألك بما سألك أخي موسى فاجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي أشدد به أزري)) (2) وكأن النبي محمد عليه البركات يعلم بأن ما جرى على وصي موسى سوف يجري على وصيّه من بعده ولذلك استدعى موسى وطلبه من الرب ان يجعل له وزيرا.وهذا هو مطلب الأنبياء جميعا.
وهكذا نبي الرب عيسى ، ايضا قبل رحيله امره الروح القدس (الوحي)بتنصيب خليفة له اسمهُ برنابا كما نقرأ في سفر أعمال الرسل 13: 2 (وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا).
وفي رواية أخرى اسمه شمعون الصفا. كما في إنجيل يوحنا 1: 42 (فنظر إليه يسوع وقال: أنت سمعان بن يونا. أنت تدعى صفا). وسمعان صفا أو شمعون صفا هو من اختاره يسوع المسيح.
فمسألة اختيار الخليفة لا تكون بمشورة الناس او انتخابهم بل بطلب من النبي واختيار من الله ولذلك اجاب الرب موسى قائلا له : (( خذ يشوع بن نون وضع يدك عليه وأوقفه قدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم واجعل من هيبتك عليه ففعل موسى كما أمره الرب . أخذ يشوع وأوقفه قدام ليعازر الكاهن وقدام كل الجماعة ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى)) .سفر العدد 27: 20
ففعل موسى كما أمره الرب. ـــ وجمع الجموع من أصحابه وسط تلك الصحراء القاحلة عند غدير مرشوم بعد رجعته من الجبل المقدس حاملا وصايا الرب في تعيين خليفة له ، ولكن موسى تلكأ مرارا، فكرر عليه الرب الأمر عدة مرات ولكن موسى كان يخشى من تصلب رقاب اليهود وعنادهم (الهي انت تعلم صلابة رقابهم وعنادهم ، عمّا قليل يرجموني أنا وأخي). فهدد الرب موسى ــ فاخذ يشوع وأوقفه قدام كل الجماعة ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه.
إذن هو وصي من قبل الرب وشهد (الصحابة) كلهم ذلك وعرفوه وبخبخوا له. ولكننا نسأل: لماذا اختار الرب هذا الوصي، وهل له مزايا تميّز بها عن بقية أقرانه ؟
يقول سفر يشوع بن سيراخ 46:1 في معرض وصف مزايا هذا الوصي ((كان يشوع بن نون رجل بأس في الحروب، خليفة موسى . وكان كاسمه عظيما في خلاص مختاريه، شديد الانتقام على الأعداء المقاومين، ما أعظم مجده عند رفع يديه، وتسديد حربته على المدن. من قام نظيره من قبله؟ إن الرب نفسه دفع إليه الأعداء. ألم ترجع الشمس إلى الوراء على يده، وصار اليوم نحوا من يومين؟ دعا العلي القدير إذ كان يهزم الأعداء من كل جهة، فاستجاب له الرب العظيم أهلك المقاومين دعا الرب القدير، عندما كان أعداؤه يضيقون من كل جهة فأرعد الرب من السماء، وبقصف عظيم أسمع صوته)).
وهذا نفسه حدث في المسيحية عندما اختار يسوع صفا بأمر الروح القدس. ولكن الجماعة ارتدوا بعده واختاروا بولص وصاحبه سيمون الساحر . فعلى الرغم من علم الناس أن الاختيار كان بأمر الرب وأن النبي لا يفعل شيئا من عنده إلا ان الناس لم يعجبهم ذلك واضمروا شرا كانوا يكتمونه وحسدا يُضمرونه فأضهروه بعد رحيل النبي ولذلك كان اقرب اصحاب النبي هم من قاد عملية الانقلاب، (اليعازر وصاحبه) على رأس المنقلبين على وصي موسى. وتبعهم الشعب في ذلك طمعا في حطام الدنيا ، وعينوا عليهم خليفة من اختيارهم وتركوا من اختاره الرب ونبيه الوصي (يوشع) جالسا في بيته (4)
يصف الرب عناد الناس ورفضهم اختيار خليفة الرب قائلا (( بغوا هم وآباؤهم وصلّبوا رقابهم ولم يسمعوا لوصاياك وأبوا الاستماع، وعند تمردهم أقاموا رئيسا ليرجعوا إلى عبوديتهم وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم ، فبغوا ولم يسمعوا لوصاياك وأخطأوا ضد أحكامك، التي إذا عملها إنسانٌ يحيا بها. وأعطوا كتفا معاندة، وعملوا إهانة عظيمة)) .
وهكذا بدأت مسيرة افتراق امة موسى فانشطرت في بداية أمرها فرقتين على يد خيرة صحابته والمقربين منه . فرقة تبعت اليعازر وصاحبه وهم الأكثرية الساحقة . وفرقة تبعت يوشع بن نون وهم الفئة القليلة المستضعفة. ولم يقم الوصي بالأمر بعد موسى بعد الانقلاب عليه فبقى صابرا على اللأواء والضراء والجهد والبلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت ( شافاط و كالب ، وعثلي) فرجع الناس إليه وانثالوا عليه ، ولكن هيهات بعد أن دب الانحراف وتمكن الزيغ وافترقت رسالة موسى إلى فرقتين وضعف امر الدين.
المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــ
1- سفر العدد 27: 18
2- ذكر هذا الحديث اكثر من (22) مصدرا من مصادر اهل السنة والجماعة ناهيك عن مصادر الشيعة .
3- سفر نحميا ، الاصحاح 9 : 17.
4- (يشوع وهو من سبط أفرايم وكان اسمه هوشع وعند المسلمين يوشع). القس انطونيوس فكري ، تفسير سفر الخروج .فقد مدح الرب في كتابه يوشع بن نون مدحا كبيرا لائقا به ولم يمدح وصيا غيره إلا وصي محمد ، حيث اختار موسى وصيه منذ ان كان فطيما صغيرا يتعهده بالرعاية فكان يتبعه غلاما يافعا اتباع الفصيل اثر امّه يرفع له في كل يوم من اخلاقه النبوية علما ويأمر يوشع بالاقتداء به كما جاء في (سفر الخروج 33: 11 ) فكان هذان الوصيان على درجة عظيمة من الحكمة والشجاعة ، ارجع الرب الشمس لهما من دون خلقه . فقد جاء في سفر يشوع بن سيراخ 46: ((كان يشوع بن نون رجل باس في الحروب خليفة موسى في النبوءات وكان كاسمه عظيما في خلاص مختاريه شديد الانتقام على الاعداء المقاومين ما اعظم مجده عند رفع يديه وتسديد حربته من قام نظيره من قبله ان الرب نفسه دفع اليه الاعداء الم ترجع الشمس الى الوراء على يده دعا العلي القدير اذ كان يهزم الاعداء من كل جهة)).
5- سفر نحميا 9: 16 ــــ 29 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة تعود لمخطوطة البيروني تمثل بيعة يوم الغدير و يرقى تاريخها الى سنة 440 للهجرة و هي محفوظة بمتحف اللوڤر في باريس و تعتبرها فرنسا من نفائس التراث الإسلامي الخالد .