لِنَتَعَلَّمْ مِن السَيِّدَةِ فَاطِمَة الزَهرَاء عَليهَا السَلامُ
بعد مضي أكثر من 1300 سنة على واقعة كربلاء، لا يزال المسلمون في العالم يستذكرون واقعة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، تلك الفاجعة الأليمة التي هزت كيان الأمة الإسلامية وأيقظتها من غفلتها، فالباطل يبقى باطلا، وإن تقمص رداء الخلافة، والحق حقٌّ وإن سالت دماؤه وقطعته ذئابُ البشرِ العاديات في الفلوات.
وعلى مر العصور حرص الطغاة على طمس مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) لإطفاء شعلة الحق المتقدة من ذلك المرقد الشريف، ابتداء من الأمويين والعباسيين، حتى البعث الصدامي، فمنذ أوائل حكمه اجتهد وتفنن بطرق القمع لكي يمنع المؤمنين من إحياء مراسم استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن شاء الله ان يُخلد الحسين (عليه السلام) ذكرا وضريحا، وأن يزداد ذكره يوما بعد يوم، حتى عدت زيارة الأربعين أكبر تجمع سنوي للبشرية في العالم.
فبعد عقود من المنع والقمع والقتل بقي العراقيون متمسكين بحبهم لعترة النبي (عليهم السلام) والدين الإسلامي الحنيف، ليسطروا بذلك درسا في الثبات والولاء قل نظيره في التاريخ.
ففي كل العام يجتمع الملايين من مختلف الأقطار والأمصار ليعلنوا مواساتهم وتأييدهم ونصرتهم للحسين (عليه السلام) في منهجه المتمثل بإحقاق الحق، ورفض الباطل، وتطبيق شريعة جده (صلى الله عليه وآله).
وما شهده العراق في العقدين الأخيرين من إحياء لهذه الزيارة المباركة وبهذه الأعداد الضخمة لا شك بأنها نعمة من نعم الله (عزوجل) على أرضنا، ولابد أن نؤدي حق تلك النعمة ونشكر الله (عزوجل) عليها؛ لكي تدوم علينا تلك الزيارة المباركة التي وحدت قلوب الملايين ونفوسهم قبل أن توحد أجسادهم.
ولابد لنا أن نستثمر هذه الزيارة المباركة التي تعد محطة للمعرفة والإيمان والكرم والشجاعة، وينبغي استثمار تلك المحطة للتزود بكل تلك الفضائل، ورفد ذلك الطريق المبارك بالعديد من المعارض والمراكز الحوارية والثقافية التي تسهم برفد الزائرين بالفكر والعلم المحمدي، فيعود الزائرون من طريق كربلاء المبارك وهم كتلة من الإيمان والعلم والنشاط.
ويجب تحصين زيارة الأربعين، فلِقرونٍ من الزمن سالت كثير من الدماء الزاكية على طريق كربلاء، ولولا تلك الدماء الطاهرة لما شهدنا استمرارا لهذا الطريق، لذا لابد أن نحافظ على ديمومة هذه الزيارة المباركة، وأن تزال كل العقبات التي تقف حائلا أمامها، وفي الآونة الأخيرة عملت بعض الجهات المنحرفة على توهين هذه الزيارة في نفوس الناس وخلق الفتن والشكوك حولها، فتارة يحاولون خلق الفتن بين الشعبين العراقي والإيراني و يشككون بشرعية الأموال التي تبذل على هذه الزيارة المباركة تارة أخرى، وشهدت الزيارات الأخيرة تكرار بعض الحالات التي يحاولون فيها عكس صورة مغايرة عن زيارة الأربعين من طريق تصوير بعض المشاهد التمثيلية الفاسدة ونشرها على المواقع الافتراضية على أنها الأجواء الطبيعية للزيارة، وتم رصد العديد من الحسابات التي تختص بنشر هذه المقاطع المصورة، وتأتي هذه كمحاولة لضرب زيارة الأربعين من الداخل، بعد أن فشلت كل محاولاتهم السابقة لإضعاف هذه الزيارة المباركة، لذا لابد من التصدي لهذه المحاولات وعدم الانجرار وراءها، فالحشود المليونية التي تتجه صوب كربلاء تتسامى وتترفع عن كثير من الرذائل ويصبح ذلك التجمع المليوني أشبه بالتجمع الملائكي.