إن الأمم تحتفي بعلمائها ومفكريها وأدبائها لأنها تعدهم الوجه المشرق والجنبة الثقافية لها وهم الطبقة التي يمكنا أن تقدم الأمة نحو الطور والرقي في مختلف الميادين، والجدير بالذكر أن العلماء والمفكرين يقدر أحدهم الآخر ويحترم أحدهم الآخر لا لشخصه بل لما يحمله من علم فالتقدير هنا تقدير علمي لا شخصي، وقد يصل الحد في بعض الأحايين إلى أن يقبل أحدهم يد الآخر عرفانا وتقديرا للعلم الذي يحمله الشخص.
يذكر لنا التاريخ مثل هذه الحادثة إذ وفد جمع من العلماء والمفكرين العراقيين إلى مصر للاطلاع على الواقع العلمي الذي صارت إليه مصر فيها فقعد مؤتمر علمي في قاعة الجمعية الجغرافية الملكية وبحضور عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فطلب الدكتور من الوقد العراقي أن يتقدم أبرزهم لإلقاء محاضرة في الفلسفة الإسلامية وكيفية دراستها وتدريسها في حوزات العراق وإيران، أمام جمع غفير من العلماء والأدباء والطلبة في مختلف الميادين العلمية، فتقدّم شيخ جليل مرتجلاً وألقى محاضرة علمية رصينة عن تطوّر الفلسفة والفلسفة الإسلامية، وكأنه قد حفظها عن ظهر قلب[1].
وبعد أن أنهى الشيخ محاضرته العلمية تلك، تقدّم إليه الدكتور طه حسين وقبّل يده، وأظهر إعجابه الشديد بعلمه وفلسفته ونبوغه العلميّ وهنا قال مقولته في حقّه: (إذا سمعت محاضرة الزنجانيّ نسيت نفسي وكأنني في حياة أخرى غير الحياة التي أعهدها، وظننت أنّ ابن سينا يخطب).
فمن هو الزنجانيّ؟
اسمه عبدالكريم بن محمّد رضا بن محمّد حسن النجفي ، وُلد في مدينة زنجان الإيرانيّة سنة 1304هـ / 1887م ، وكان والد جدّه الشيخ محمّد علي، وهو من أعيان العلماء في النجف الأشرف ، هاجر بأسرته إلى بلاد إيران سنة 1217هـ / 1802م أثناء تزايد الخطر الوهابي على المدن المقدّسة كربلاء والنجف ، وقد استقبله عالم زنجان المجتهد الأكبر السيّد محمّد المجتهد ، وزوّج كريمته من ابن الشيخ النجفي المدعو محمّد حسن، فأولدها محمّد رضا ، الذي رزق بمولود ذكر فسمّاه عبدالكريم ، وبعد عودة العائلة إلى النجف موطنها الأصلي سنة 1329هـ / 1909م عاد الشيخ عبدالكريم لأجل إكمال دراسته في حوزتها ، وحرص على أن يستأثر بالعلوم النقليّة والعقليّة فنال مرتبة الاجتهاد في سنّ مُبكّرة، وحصل على إجازات العلماء ومنهم:
- الملا قربان علي.
- والسيّد محمّد كاظم اليزدي.
كما تضلّع في الفلسفة على وجه عام، ثُمّ تفرّغ للتدريس، فشرع بتدريس الفلسفة وعلم الكلام والفقه والأصول، وقلّده جمع كبير من الناس في داخل العراق وفي خارجه.
وفاته:
عُرّض الشيخ عبد الكريم الزنجاني إلى حملة تشويه وتسقيط من الخاص والعام، فانفضّ عنه الناس والتلاميذ، وانقطع عن الدرس ولزم بيته سنوات، حتى أدركته الوفاة في جمادى الثانية سنة 1388هـ / 1968م، وصلّى على جثمانه السيد أبو القاسم الخوئي، ودفن في الصحن الحيدري في النجف الأشرف.
الشيخ عبد الكريم الزنجاني