البحث المتقدم

البحث المتقدم

المرجعية الدينية واحتواء الأزمات السيّد عبد الأعلى السبزواريّ والانتفاضة الشعبانية

1 تقييم المقال

إنّ مصطلح المرجع أو المرجعية الدينية غالبًا ما يتبادر إلى ذهن السامع ذلك الشخص المتخصّص بالأمور الفقهية وتصدر عنه الفتوى بحلال الناس وحرامهم وعيدهم وصيامهم، وأغلب الناس تكاد تُقصر هذا المصطلح على هذا الدور –الفقهيّ- فقط في حين أنّ مقام المرجعية أو شخص المرجع لا يقتصر دوره على الإفتاء فقط، بل يتجاوز إلى أدوار سياسية واجتماعية عِبرَ التوجيه والإرشاد، وربما تصل إلى قيادة الجمهور قيادة ميدانية.

ولو تصفّحنا تاريخ المرجعية الدينية في العراق ومواقفها تجاه الثورات والأزمات السياسية والاجتماعية نجد صفحاته حافلة بكمّ هائل من المواقف المشرّفة التي تزيّن وجهه.

وما يهمّنا هنا هو دور المرجعية الدينية في العراق إبّان قيام الانتفاضة الشعبانية في عام 1991م، لكونها حدثًا شعبيًا مهمًّا بدأت شرارته من البصرة بعد انكسار الجيش العراقيّ في الكويت ورجعوه إلى العراق يجرّ أذيال الخيبة ما نتج عن ذلك قيام أحد أفراد الجيش بإطلاق بضع رصاصات على جدارية تحمل صورة صدام في البصرة كتعبير عن الرفض والغضب من الظلم والحرمان اللّذَين تعرّض لهما الجيش حينذاك، وكذلك كتعبير عن الوقوف بوجه السلطة الظالمة التي لم تأت لهذا الشعب بالخير المرتجى.

لذلك تفاعل الشعب مع هذا الجنديّ العراقيّ وكأنّه قد أيقض فيهم روح الرفض فهبّت الناس وبدأت بثورتها ضدّ السلطة وبدأ الصِدَام بين المنتفضين وبين سلطة البعث.

انتشر خبر الانتفاضة في أرجاء العراق وانتفضت المحافظات الأخرى للمشاركة بهذا الحدث حتى وصل إلى النجف الأشرف وهي على ماهي عليه من الأهمية كونها مركزَ المرجعية العليا في العالم الإسلاميّ.

ولَمّا كانت الانتفاضة هدفها الخلاص من الظالم وزمرته الذين سيطروا على البلاد والعباد أصدر السيّد عبد الأعلى السبزواريّ قدّس سرّه بيانًا قويّ اللهجة يخصّ الانتفاضة في المدينة ودعمه لها ونصّ البيان:

(بسم لله الرحمن الرحيم

"أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأنّ الله على نصرهم لقدير"

أيُّها المؤمنون الكرام مرَّت عليكم سنوات مريرة شاقة صعاب سيطر فيها الظالم وزمرته، فأراق الدماء وهَتَكَ الأعراض وأهان المقدّسات الدينية وعطّل الأحكام الشرعية فكانوا كما قال تعالى فيهم "ألم ترَ إِلَى الَّذِينَ بدِّلُوا نعمة الله كُفراً وأحلُّوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار فاستدرجهم عزّ وجلّ وأمهلهم فلم يتعظوا بل كانوا كما أخبر عنهم تعالى: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" فكان الضال المضل الفاسد قد سعى في الفساد وأهلك الحرث والنسل، قال تعالى: "وإذا" تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يُحب "الفساد" فنحمد الله ونشكره جلت عظمته على ما مَنَّ علينا بزوال الجور والظلم ونبتهل إليه جل شأنه ببسط العدل والقسط إن شاء الله تعالى.

وأسأله عزَّ وجلَّ أن يوقظ المؤمنين ويسدد خطاهم، قال تعالى: " الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" .

أيها المؤمنون لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم، وإنِّي أدعو الله تعالى وأتضرع إليه أن ينصركم ويوفقكم لكل ما فيه الخير والصلاح فعليكم بالاستقامة في تبليغ أحكامه والدعوة إليه عزَّ وجلَّ والمواظبة على دينكم والسعي في تثبيت عزائمكم . قال تعالى: " الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الأمور" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته - 16 شعبان

المعظم سنة 1411 للهجرة

(إمضاء السيد السبزواري) السبزواري النجف الأشرف)

 

فإنّك إن دقّقت النظر في البيان تجده بيانا حازمًا وحادًا وقد أوردَ السيّد قدّس سرّه فيه مجموعة من الآيات الكريمة يصف فيها المنتفضين والنظام، فعبّر عن المنتفضين بأنّهم قوم ظُلموا وأُذن لهم بالقتال وأنّ النصرَ آت، فيما وصف النظام وزمرته بأنّهم قوم عطّلوا الأحكام وأفسدوا في الأرض، خاتمًا بيانه بالوصية للمنتفضين بأن لا يحزنوا ولا يهنوا وأنّهم الأعلَون.

فهذا كان موقف السيّد السبزواريّ قدّس سرّه من الانتفاضة والقائمين عليها فقد عدَّها انتفاضة شعب ضدّ سلطة جائرة؛ لذا جاء بيانه واضحًا صريحًا في دعمه للانتفاضة ودعواته بالنصر للقائمين عليها.

نعم
هل اعجبك المقال