حين تتأمل مجالس العزاء، وتتصفح صفحات التاريخ والمرويات، تجد أن الإمام الحسين عليه السلام قد نال ما يستحقه من الذكر والتخليد، حيًّا كان أو شهيدًا، حتى صار اسمه شعارًا للثورة والعدل، وسيرته خالدة إلى قيام الساعة.
لكنك إن أدرْت وجهك إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، شعرت بغصة... فها هو الإمام المظلوم في حياته، والمغيب في التاريخ، بل والمظلِم ذكره حتى بعد وفاته، فلا يُذكر اسمه إلا مقرونًا بكلمة "السم"، وكأنها كلّ ما تبقى من سيرة رجل هو بضعة من النبوة، وثمرة من شجرة الوحي!
إنك لا تكاد تقرأ عنه إلا ما يجتزئ من مقامه، ويختزل من شخصيته، بل ويُشوِّه صورته. ألا ترى كيف اتُّهِم بأنه "مزواجٌ مطلاق"؟ بل كيف نُسِب إليه ما لا يليق بولد فاطمة وعليّ، من قولٍ وفعل، كأن يُقال إنه مرّ على نساء في بركة ماء وسألهن: "أيّكن تريد الزواج من ابن رسول الله؟"، فيجبنه ساخرات: "كلّنا طليقاتك"! أهذه صورة ابن الطهر والوقار؟!
بل يُصوَّر الإمام الحسن وكأنه كان رافضًا للقتال في الجمل، ناصحًا لأبيه بالتراجع، وكأنّ وعيه أعمق من وعي أمير المؤمنين! أي تحريف هذا؟
ويُقال إنه سلّم الخلافة لمعاوية عن ضعف أو رغبة في الدنيا، لا حقنًا لدماء المسلمين بعد أن خذله الناس وتفرّق عنه الأعوان.
ويُروى أن أحدهم دخل عليه وقال: "السلام عليك يا مذلّ المؤمنين"، فتُمرر هذه الرواية وكأنها حقيقة، دون تأمل في دلالاتها أو في سياقها!
فأيّ ظُلامة أعظم من هذه الظُلامة؟
أي تغييب أكبر من تغييب الإمام الحسن عليه السلام في تراثنا ومجالسنا، وكأننا أمام إمامٍ عابر، لا يستحق الوقوف عنده ولا البكاء عليه؟!
حتى شعراء الشيعة، وهم سفراء الوجدان، ندر أن تجد في دواوينهم ذكراً يليق بالحسن عليه السلام، إلا ما قلّ وندر، وما لا يوازي منزلته ولا يُشفي القلب الجريح.
حقًا، إن هذه هي الظُلامة الكبرى: أن يُقصى إمامٌ معصومٌ عن ساحة الذكر والولاء، وأن يُقدَّم للناس مشوّه الصورة، مغمور السيرة، وهو من هو: ابن الوصيّ، وريحانة الرسول، وسيد شباب أهل الجنة.