البحث المتقدم

البحث المتقدم

التراث الحسيني في الأدب العربي (الجزء الأول)

27 تقييم المقال

 

قبل الحديث عن التراث الحسينيّ لا بدّ من إلقاء الضوء على بعض المفاهيم العامة التي من طريقها يمكن فهم التراث الحسينيّ، فكلمة التراث تعني كل ما تركه السلف للخلف من علوم وكتب ومصنّفات وآثار ومقتنيات وغيرها، غير أنّ الآثار والمقتنيات تعدّ تراثا بالمعنى الشمولي وليس على المعنى الخاصّ، أي أن كلمة تراث تُطلق على كل ما له علاقة بالكتب والمؤلّفات والوثائق الخطّية وما شابه، وعليه يكون تعريف التراث هو ما تركه السلف للخلف من علوم ومعارف.

أمّا كلمة الأدب: فهي كل كلام فني منظوم أو منثور (شعر أو نثر) يعبّر به الإنسان عما يعتمل في داخله من مشاعر وأحاسيس.

أمّا التراث الحسينيّ: فهو كلما له علاقة بالإمام الحسين عليه السلام من شعر ونثر وآثار ومقتنيات، فهو كلّ ماله علاقة بالحسين عليه السلام سواء على المستوى المادي أو المعنوي.

والمقال هذا ما هو إلّا لتسليط الضوء على التراث الحسيني في الأدب العربي - شعرًا ونثرًا- وكيف تناول الأدب العربي القضية الحسينية؟

قبل الإجابة على هذا التساؤل لا بدّ من معرفة أنّ الأدب العربي تناول الحسين عليه السلام بشقّين؛ الشق الأول تناول الحسين عليه السلام بشخصه بمعنى أن الأدب كتب عن شخصية الحسين وحياته ومناقبه وفضائله وما يتصل به، أمّا الشق الثاني فهو الذي أخذ من معركة الطفّ الفجيعة وما جرى فيها على الحسين وأهل بيته وأصحابه من القتل والسلب والحرق السبي وما تلا ذلك من مآس وغيرها.

وبناء على ذلك فإنّ المتصفح للأدب العربي يجده منقسمًا على هاتين النقطتين غير أن النقطة الثانية هي الأوفر حظًّا وحضورًا في الأدب؛ وذلك لما تحمله من أهمية تاريخية فضلاً عن أنّ لها أبعادًا عقائدية ودينية ولها أسباب ونتائج، زيادة على أن القضية الحسينية هي قضية لا تقتصر على فئة معينة أو مذهب معين إنما هي قضية إنسانية هدفها الإصلاح (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...).

ليس بخاف عن كل ذي لبّ ما للشعر من أهمية لدى المجتمع العربي وذلك لكثرة تعاطيه بين أفراد المجتمع الواحد حتى عُدَّ هوية له المجتمع فضلاً عن أنّ الشعر ليس تعبيرًا عن المشاعر فقط إنّما هو وثيقة تاريخية مهمة لما أرّخه من أحداث ومواقف وقضايا وما شابه ذلك، فتاريخ العرب الجاهلي والإسلامي وما تلاهما من عصور غالبًا ما أُرّخت شعرًا، ثمّ أن الشعر أكثر حفظًا من النثر فهو أكثر أسلس نقلاً بين أفراد المجتمع الواحد.

وحادثة الطفّ الأليمة أول حدث مهم في سنة 61 للهجرة، وما جرى فيها على شخصيات استثنائية مثل الحسين وأهل بيته وأصحابه ليس بالأمر العابر أو الذي يُغضّ عنه الطرف، وعليه فهذه الواقعة أخذت مسراها في التاريخ وفي الأدب كأي واقعة حدثت في التاريخ إلا أن الاختلاف بينها وبين غيرها هي أن القتيل فيها الحسين عليه السلام والظلامة التي وقعت فيها لم تحدث في غيرها، إضافة إلى أنّ السلطة الأموية آنذاك حاولت وبشتى الطرق طمس معالم هذه الحادثة أو تغييبها وهذا ما جعل الشعراء يتناولونها بكثرة وإن كان ذلك بشيء من السرية أو الخفاء لئلا يكون هذا الشعر هو السبيل إلى قتل صاحبه.

إلّا أن ذلك لم يمنع شعراء أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من الشعراء الذين رأوا في الحسين ذلك الرمز العظيم الذي ضحّى من أجل الحرية والعقيدة، ولعلّ أول النصوص الشعرية التي كتبت بعد الحادثة هو قول ابن حذلم :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها
 

 

قتل الحسين فأدمعي مدرار
 

الجسم منه بكربلاء مضرج
 

 

والرأس منه على القناة يدار
 

وبعد ذلك توالت كتابة الشعر عن الحسين عليه السلام وعن نهضته وقضيته وما جرى عليه منذ ذلك الحين حتى يوم الناس هذا، ولم يقتصر ذلك على أبناء طائفة معينة أو دين معين بل كتب الشعر في الحسين وطفّه كل من يتوق إلى الحرية ويرى في الحسين رمزًا لذلك، ومن ذلك قصيدة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وهو من أبناء الطائفة الصابئة المندائية التي مطلعها:

قدمت وعفوك عن مقدمي
 

 

حسيرا أسيرا كسرا ظمي
 

وكذا قول الشاعر بدر السياب وهو من أبناء السنة:

أرم السماء بنظرة استهزاء
 

 

واجعل شرابك من دم الأشلاء
 

 

وكذا قول الشاعر اللبناني بولس سلامة وهو من أبناء الطائفة المسيحية:

أنزلوه بكربلاء وشادوا
 

 

حوله من رماحهم أسوارا
 

 

ومن ذلك الكثير والكثير في بطون الكتب والمخطوطات غير المطبوعة، وما ذلك إلا دليل على أن القضية الحسينية هي قضية الناس أجمعين، قضية الأحرار بكل بقاع الأرض، وأن الشعراء بكل طوائفهم وأديانهم تناولوها في الشعر لما فيها من مساس بتاريخهم كعرب ومساس بأنفسهم كونهم ممن يرومون الحرية والحسين رمز الحرية والإباء.

نعم إن من يطالع الشعر الذي كُتب في الحسين عليه السلام يجد أنه قريب من المصيبة وتصوريها وفيه البعد العاطفي كبير جدًّا لأنه يريد بذلك إذكاء العاطفة الجياشة تجاه ما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه فضلاً عن أنه يركز عليها لتبقى في ذات وأعماق النفس البشرية، باعتبار أن الجانب النثري والتاريخي الذي أثرى المكتبة عن الحسين وحياته ومقتله وما يتصل به قد غطى الجانب الفكري للمجتمع، وعليه فالشعر يغطي الجانب العاطفي لدى المجتمع تجاه القضية الحسينية.

وبنظرة فاحصة في هذا التراث تجد أن الشعراء أغلبهم تناولوا القضية الحسينية في شعرهم، على أنهم لم يهملوا الموضوعات الأخرى في الشعر، إذ كان الحسين جزءًا من الموضوعات التي تطرقوا لها في الشعر، في الوقت الذي تجد فيه شعراء كبار وطنوا أنفسهم لكتابة الشعر عن الحسين عليه السلام وأهل البيت بشكل خاصّ ومنهم الكميت الأسديّ ودعبل الخزاعيّ والسيّد حيدر الحلّيّ، فضلاً عن الشعراء المعاصرين أمثال جابر الكاظمي ومحمد الحرزي وغيرهم وهم كثر.

نعم
هل اعجبك المقال