البحث المتقدم

البحث المتقدم

من درر الإمام الحسين عليه السلام (2)

0 تقييم المقال

في السابق كان الناس يتزاورون فيما بينهم كنوع من التواصل الاجتماعي، سواء بين الأقارب أو بين الأصدقاء، وبين الجيران أيضا، فهذه الصفة المحمودة وهي صلة الرحم والتزاور من الأشياء التي حثّ عليها الدين القويم، ولعل السبب على الحثّ هو زيادة كمية الودّ والرحمة والتآلف بين أبناء المجتمع الواحد؛ إذ يقول عزّ من قائل: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) فائتلاف القلوب ينتج من ائتلاف الأجسام.

ومن درر الإمام الحسين (عليه السلام) ونحن نعيش أيام عاشورائه قوله: (مَن سَرَّه أن يُنْسَأ في أجلهِ ويُزداد في رزقه فَلْيَصِل رَحِمَهُ)

فهو يؤكّد بقوله: (من سره أن ينسأ في أجله) أنّ أغلب بني البشر يحبّون طول العمر، ويحبّون أن يؤجّل أجلُ موتهم إلى أجل بعيد، وهو نوع من التشبّث بالدنيا وهو غير محمود، إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) نظر إلى هذه المسألة من زاوية طلب إطالة العمر للاستزادة من الخير، وعليه فإنّ إطالة العمر أو بُعدِ الأجل من الأشياء التي تسرّ الفرد.

كما أكّد (عليه السلام) في قوله: (ويُزداد في رزقه) فقد جعل زيادة الرزق معطوفة على طول العمر، فمَن طال عمره، طال طلب الرزق عنده، ولمّا كان هذان العاملان ممّا يزيد من سرور الفرد، قدّمهما الإمام (عليه السلام) وجعل منهما نتيجة لسبب معين ومهمّ، ثمّ جاء بالسبب الرئيس الذي يُورث وينتج عنه طول العمر وزيادة الرزق بقوله: (فَلْيَصِل رَحِمَهُ) وهذه هي الصفة المهمة التي تعطيك النتائج التي طرحها الإمام في مقدّمة كلامه.

صلة الرحم ليست بالشيء الهيّن أو العابر في حياة الإنسان كون الإنسان كائن اجتماعي، وهذه الصفة كثيرًا ما ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع فيه، إذ إنّ قطعها يعدّ من الذنوب العظام عند الله فقال: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا الأرحام، أولئك الذين لعنهم الله) ولو تأملتنا الآية نجد أن الله سبحانه قد قرن ما بين الإفساد في الأرض وبين قطع الرحم، فجعله ممّا يعدّ فسادًا أيضا، فضلًا عن إتباع ذلك الفعل باللعنة منه عزّ وجلّ.

ومن جانب آخر أكّد الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك بقوله: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ومن ذلك نستنتج أنّ قطيعة الرحم مذمومة بنحو كبير عند الله ورسوله، لذا فإنّ صلة الرحم لابدّ من استمرارها للحصول على ما ذكره الإمام الحسين عليه السلام من طول العمر وسعة الرزق.

ما تراه اليوم هو عكس ما أريد له أن يكون، فصلات الرحم تتقطع وتشتت، وأصبحت الصلات عبر الأجهزة المحمولة والبرامج التواصلية والتي تسمى (بالتواصل الاجتماعي) ولا شكّ أنها تواصل بين فئات المجتمع كافة ومن مختلف البلدان والمناطق والأجناس والأعراق، ولكن هل هي فعلًا تواصل اجتماعي بما يخدم المجتمع؟ بالطبع لا؛ إذ لا يزور أحد أحدًا إلى عبر (الماسنجر) أو ما شابهه، وهذا ما لا نتائج مرجوّة منه من طول العمر وسعة الرزق.

نعم هناك من الأقارب والجيران والأصدقاء مما لا يروق لك الحديث معهم لأسباب متعددة ولعلّ أهمها الأخلاق فمنهم من ذوي الأخلاق غير الحميدة، ولكن ذلك لا يجعلك تنفر من الجميع، بل على العكس يجب أن يكون هناك تواصل دائم، لا على شبكات التواصل فقط، بل في الواقع، وهو المهم؛ لأن لقاء الأجساد سبب في تآلف القلوب كما مرّ، وتآلف القلوب سبب في ذوبان التشنجات والحقد والكره والضغائن وغيرها، بل يكون سببًا في تواشج الأرواح وانصهارها في بودقة واحدة وينتج عن ذلك الود والرحمة، ومنه إلى طول العمر سعة الرزق.

 

نعم
هل اعجبك المقال