البحث المتقدم

البحث المتقدم

علي بن أبي طالب في عيون الصوفية

0 تقييم المقال

مما لا يدخل الشكّ فيه في أن الصوفية فرقة إسلامية اتخذت من العزلة والزهد في الدنيا والقربى إلى الله مسلكا لها حتى قامت واعتدلت وأصبح مذهبا قائما بذاته لكنه لا يخرج عن المذاهب الإسلامية المعروفة، إلا أنه يختلف عن البقية بنزعته الروحية.

وهذا المذهب أو المسلك له مقوماته وأسسه وعلماؤه وفقهاؤه فضلا عن أن له أعلام يعدون دعائم هذا المسلك، وحتى هذه الدعائم كانت تعد علي بن ابي طالب عليه السلام هو فتى الإسلام الأول والمتصوف الأول ومنه أخذت هذه الطريقة- مع اختلاف المنهج فيما بعد- إلا أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يعد القطب الذي تدور حوله ممارساتهم الروحية.

وإذا ما قرأت في كتبهم وأدبهم ورسائلهم تجد في كلامهم لمسة من الأدب الروحي والعشق الإلهي، فوصفهم للدنيا والآخرة يختلف عن وصف العالم لهما، فهم يرون أنهم ذائبون في ذات الله سبحانه حتى أنهم يرون العالم على غير ما يراه الناس، هذا زيادة على انغماسهم في المنطق والفلسفة والماروائيات التي تضفي على شخصياتهم وكلماتهم شيئاً من الغموض.

محي الدين بن عربي هذا العالم الجليل يعد عمودا من أعمدة الصوفية صاحب كتاب الفتوحات المكية، استوقفني وصفه للإمام علي عليه السلام في كتابه؛ إذ يقول: ((وعلى سر الأسرار، ومشرق الأنوار، المهندس في الغيوب اللاهوتية، والسياح في الفيافي الجبروتية، المصور للهيولي الملكوتية، والوالي للولاية الناسوتية، أنموذج الواقع، وشخص الاطلاق المنطبع في مرايا الأنفس والأمانة الإلهية، ومادة العلوم الغير المتناهية، الظاهر بالبرهان، والباطن بالقدرة والشأن، فاتحة مصحف الوجود، بسملة كتاب الموجود، حقيقة نقطة البائية، المتحقق بالمراتب الإنسانية، حيدر آجام الإبداع، الكرار في معارك الاختراع، النير الجلي، والنجم الثاقب، إمام الأئمة علي بن أبي طالب عليه السلام))

فإن المتأمل لهذا الوصف للإمام عليه السلام يجد أن ابن عربي لم يصفه كما يصفه الناس، بل وصفه على نحو صوفي روحي وما ورائي ودليل ذلك ما أورده من كلمات لها علاقة بسالكي هذا المسلك.

فاللّاهوتُ تعني الأُلوهيّةُ، وهو علمٌ يبحثُ فِي وجودِ اللهِ وذاتهِ وصفاتهِ، ويقومُ عندَ المسيحيّينَ مقامَ علمِ الكلامِ عندَ المسلمينَ، ويسمَّى أيضاً عِلمَ الرّبوبيّةِ والإِلهيّاتِ

 أما النّاسوتُ: فهو مصطلحٌ يُرادُ بهِ التّعبيرُ عَنِ الطّبيعةِ البشريّةِ، وقَد جاءَ هذا المصطلحُ مقترناً معَ مصطلحِ اللّاهوتِ، وذلكَ لكونِ المسيحيّةِ تعتقدُ بأنَّ اللّاهوتَ قَد حلَّ فِي شخصيّةِ اليسوعِ، ولكي يجدُوا تبريراً لبعضِ النّصوصِ التي تشيرُ بشكلٍ واضحٍ إلى بشريّةِ عيسَى (عليهِ السّلامُ)، قامُوا بالتّفريقِ بينَ مقامِ اللّاهوتِ ومقامِ النّاسوتِ.

وبذلك فابن عربي يصف الإمام عليه السلام بذلك الكائن الذي ساح في عالم اللاهوت وعالم الملكوت وعالم الناسوت، وهذا يعني أنه يرى في الإمام عليه السلام الكائن الذي ليس مثله بشر، فهو بشر فوق العادة وفوق البشرية بعد النبي صلى الله عليه وآله سلم، والحق أن هذا مثل هذا الوصف لا يصدر إلا من شخص قد عرف قدر الإمام علي عليه السلام.

نعم
هل اعجبك المقال

مواضيع ذات صلة