في ظلال طوفان الأقصى 79 أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
ليس دائمًا بيدك تحقيق المعجزات، ليس بيدك دائمًا الوصول إلى الهدف بشكل مستدام، هناك لغز في هذه الحياة، إجابته غيبيّة، خلف سحائب الأمل سيقع أمر وشيك، خلف غمائم ملبدة ستفاجئك السماء، بعد لحظات من الهدوء، ودون سابق إنذار سيكون صيِّبًا غزيرًا يُخْضل الوديان ويُرَوّي الجداول!
النماذج تتراص من فرط كثرتها، لهذا قيل: "ما بعد الليل إلا النهار"، فإذا اشتدت ظلمة الغسق؛ ولد الفجر من رحم العتمة وأشرق الصباح. ما رأيك في قصة يعقوب النبي وفلذة كبده يوسف؟، ألم تتحقق المعجزات؟، ألم تكتحل عيون يعقوب بالنظر إلى حبيبه وقرّة عينه، بعدما ابيضت عيناه من الحزن؟، الدرس المستفاد من الحكاية أنّ مفتاح الصبر متحقق وإن طال الليل، قال تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
لنغير اتجاه المعادلة، ولنتحرك على أرض الواقع، الخطاب الآن لك، نعم لك أنت، تأمل للحظة في عرض حياتك المديدة، وتفحصها بعناية: ربما نالك مرّة يأس، وربما توغل فيك حدّ النخاع، ربما اسودّت الدنيا بأسرها في عينيك، ولكن ماذا حدث؟، هل ظل الموقف على حاله؟، أم تحركت المياه تحت قدميك؟. مجددًا لك الآن السؤال أمام ما يعتريك حاليًا من كودوراتٍ وعوائق:
أتظن أنها "لن تفرج"؟، الجواب ببساطة: بلى ستفرج، فقل معي: بلى.. بلى ستفرج. تيقن أنّ الأمر متحقق، واطمئن، إنّها سنّة الحياة، قال تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا)، الكلمة المفتاح التي نسلط عليها الضوء، كلمة (استيئس)، هناك فرق لغوي في بناء الكلمتين، كلمة "يئس"، و"استيأس"؟، القاعدة اللغوية تقول: "زيادة المباني زيادة في المعاني"، في هذا المورد يقول أبو حيّان الغرناطي في تفسيره (البحر المحيط): "استفعل هنا بمعنى المجرّد، يئس واستيأس بمعنى واحد نحو سخر واستسخر، وعجب واستعجب. وزعم الزمخشري أن زيادة السين والتاء في المبالغة، قال نحو ما مرّ في استعصم".
وبعيدًا عن الجدل الدائر بين الرأيين نضع فائدة في الظروف المدلهمة والمصاعب، وهي أنّ على المؤمن أنْ يتحلى بزينة (الصبر)، بل يفعل صيغة المبالغة منه إن تمكن كـ "صَبُور"، و"صَبَّار". فكما قيل: "ما بعد الشدة إلا الفرج"، و"ما بعد الحزن إلا الفرح"، و "ما بعد الضيق إلا السعة". وقد علمتنا الأيام خلاصّة مفادها أنّ علامة اقتراب الفرج شدة الضيق، فلا تحزن، إذا اشتدت الحلكة، فالنفساء إذا اشتد بها الحمل أمخضت. فقل معي: "الفرج قريب"، وهو وعد وعده الله في كتابه، فكلمة (قريب)، هي الإجابة الإلهيّة القرآنية، لكل من يسأل عن ميعاد النصر والفرج، يقول تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّـهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ)، وفي آية أخرى: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، نعم المخاض بين حرفين لا ثالث لهما، هما "الكاف" و "النون".