في ظلال طوفان الأقصى 79 أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
بسم الله الرحمن الرحيم
يعيشُ المؤمنون اليوم في أيامٍ عَصيبةٍ.. ومِحَنٍ شديدةٍ.. فَدُنياهُم دارٌ هانَت على رَبِّها.. فخَلَطَ حُلوَها بمُرِّها.. ولَم يُصْفِهَا لأوليائه..
ولقد تعرَّضَت بلاد المسلمين منذ قديم الأيام إلى غَزَواتٍ من أعدائهم.. تارةً لأجل إطفاء نور الحقّ والإسلام.. وأخرى لأجل الاستيلاء على خَيراتها ومُقَدَّراتها..
ولا زالت بعضُ بلاد المسلمين اليومَ ترزَخُ تحت حكم أعدائهم.. مِن يَهودٍ أو نصارى أو غيرهم..
ولقد صار التخاذُلُ والخنوعُ سِمَةَ كثيرٍ من المسلمين في عَصرِنَا.. كما كان منذ زمن أمير المؤمنين عليه السلام.. فكان كُلَّما دعا أصحابَه إلى القتال تَوَاكَلُوا وتَخَاذَلوا.. حتى قال لهم: يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ! حُلُومُ الْأَطْفَالِ! وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ!
لقد تقاعَسَ هؤلاء عن الجهاد الذي جعله الله باباً من أبواب الجنة.. وفَتَحَه لخاصَّة أوليائه.. وألبس من تَرَكَهُ ثوبَ الذُلِّ!
ولكن..
إذا كان الجهادُ واجباً مع وجود الإمام المعصوم وتَصَدِّيه له وأمره به.. فهل الجهادُ واجبٌ أيضاً في غيبته؟! أو عند قُعُودِه؟!
وإذا كان الدِّفاع عن النَّفس والعِرض والأرض واجباً.. فهل هو واجبٌ مطلقاً؟! أم أنَّ له قيوداً؟!
وهل يجبُ القتال على جميع المسلمين إذا تَعَرَّضَت بعض بلاد المسلمين للغزو والاحتلال؟!
لقد حارَ جَمعٌ من المؤمنين في أيامنا.. ولم يعرفوا حكمَ الله في ذلك..
إنَّ الحكم الفِقهيَّ يُؤخذ من الفقيه الأعلم الجامع لشرائط التقليد.. لذا يرجع كلُّ مكلَّفٍ إلى مُقلَّده ليعرف تكليفه..
ونحن نشير في هذا البحث إلى بعض القواعد الفقهية والآراء المختلفة ليتبيَّن للمؤمن موقف فقهاء الشيعة عموماً.. ثم نذكر خلاصة القول وصفوته في نهاية البحث..
أولاً: حكم الجهاد الابتدائي
لقد اتَّفَقَ المسلمون على وجوب جهاد الكُفَّار (من غير الكتابيين) بعد دعوتهم لكلمة التوحيد والإسلام، فإذا لم يقبلوا وَجَبَ قتالهم إلى أن يُسلِمُوا أو يُقتَلوا.. قال تعالى: ﴿فَإِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقاب﴾ (محمد4).
وكذلك قالوا بوجوب جهاد الكُفَّار (من أهل الكتاب كاليهود والنصارى).. لكنَّهم يُخَيَّرون بين الإسلام ودفع الجِزية عن يَدٍ وهم صاغرون.. وإلا يُقتَلوا كذلك.. قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالله وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة29).
وهناك قسمٌ ثالث وهو جهادُ البُغاة على الإمام، أو البُغاة على غيرهم من المسلمين، يُبحَثُ في محلِّه..
ولقد أفتى مشهورُ فقهاء الشيعة بأنَّ الجهاد الابتدائي مع الكُفَّار لا يكون سائغاً ولا جائزاً إلا بإذن الإمام المعصوم عليه السلام، أو سفيره الخاص.
وعليه فلا يجب هذا النوعُ من الجِهاد في زمن الغيبة عند الشيعة.. إلا على قولٍ مخالفٍ للمشهور، وفق شروطٍ وضوابط خاصة.
قال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله:
ومتى لم يكن الإمام ظاهراً، ولا مَن نَصَبَه الإمامُ حاضراً، لم يَجُز مجاهدة العدوّ. والجهادُ مع أئمّة الجَور أو مِن غير إمامٍ خطأٌ يستحقّ فاعله به الإثم. وإن أصاب لم يؤجر عليه. وإن أصيب كان مأثوماً (النهاية ص290).
فهذا القتالُ مُحرَّمٌ عند الشيعة، ويكون صاحبه مأثوماً، لأنَّه مَنوطٌ بالإمام المعصوم، والإمام لم يأذن لأحدٍ بذلك، فيكون الإقدامُ عليه إقداماً على الحرام.
ثانياً: حكم الجهاد الدفاعي
وقع الخلافُ بين الفقهاء في أنَّ الجهاد الذي ورد في النصوص المباركة، هل يشمل إلى جانب (الجهاد الابتدائيّ) المتقدِّم (الجهادَ الدِّفاعيّ) أم لا؟!
أي أنَّ الدِّفاع عن النفس والعِرض والأرض هل هو من الجهاد أم لا؟!
ههنا قولان:
القول الأول: أنَّ الدِّفاع عن النفس والعِرض وإن كان واجباً عقلاً ونقلاً، لكنَّه ليس من (الجِهاد)، بل يجب بعنوان الدِّفاع.
ومثله الدِّفاع عن المسلمين إذا تعرَّضوا للغزو (على فرض وجوبه)، فهو دفاعٌ وليس جهاداً.
القول الثاني: أنَّ الدِّفاع عن النفس أو عن المسلمين (حيث يجب) يكون فَرعاً من فروع الجهاد.
ويترتب على ذلك جملةٌ من الأحكام الخاصة كأحكام الغنيمة وحرمة الفرار وسقوط الغسل، وغيرها من الأحكام..
ثالثاً: حكم الدِّفاع عن النفس
قد يتعرَّضُ الإنسان لهجومٍ، ويُرَادُ ضَربُه أو سَلبُه.. فحينها يجوز له الدفاع عن نفسه وإن لم يكن واجباً..
وقد يتعرَّض لهجومٍ ويراد منه قتله.. فحينها يجب عليه الدِّفاع عن نفسه مع القدرة.. حتى لو أدى إلى قتل المهاجم.. وإن لم يدافع عن نفسه كان مأثوماً..
أي أنَّ الإنسان إذا كان في معرض الخطر فيجب عليه الدِّفاع عن نفسه، لكن إن لم يكن في خطرٍ بل كان الخطر على ماله فقط فالدِّفاعُ جائزٌ لا واجب، وقد ورد في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهِيدِ.
قيل: أَ يُقَاتِلُ أَفْضَلُ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ؟
قَالَ (ص): أَمَّا أَنَا لَوْ كُنْتُ لَمْ أُقَاتِلْ وَتَرَكْتُه (الكافي ج5 ص52).
وقد التزم بهذا فقهاء الشيعة، فقال الشيخ الطوسي رحمه الله:
إذا قصد رجلٌ رجلاً يريد نفسه أو ماله، جاز له الدَّفع عن نفسه أو عن ماله، وان أتى على نفسه أو نفس طالبه.
ويجب عليه أن يدفع عن نفسه إذا طلب قتله، ولا يجوز أن يستسلم مع القدرة على الدفع (الخلاف ج5 ص345).
وقد أشار الشيخ الطوسي إلى أنَّ من أدلة ذلك المنع عن إلقاء النفس في التهلكة، إلى جانب دلالة العقل.. فمن لم يدفع القتل عن نفسه استحقَّ الذم.
ومثل هذا الدَّفع مشروطٌ بالقدرة.. فمن لم يكن قادراً سقط عنه وجوب الدِّفاع.. سيَّما إذا كان الدِّفاع يؤدي إلى قتله.. وكان في تركه السلامة.
كذلك يجب الدِّفاع عن بلاد المسلمين لمن كان قاطِنَاً فيها وغزاها الكفَّار فتَعَرَّضَ أهلُها للخطر وكانوا في معرض الهلاك إن لم يدافعوا..
قال العلامة الحلي رحمه الله: إذا نزل بالبلد الكفّار، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم (تذكرة الفقهاء ج9 ص9).
وهذا مختصٌّ بمن كان في البلد من المسلمين.
رابعاً: حكم الدِّفاع عن المسلمين
إذا تعرَّضَ المسلمون لهجومٍ من أعدائهم.. فهل يجب على سائر المسلمين في غير مِصرِهم الدِّفاعُ عنهم أم لا؟
الأصل الأوَّل هو اشتراطُ ذلك بإذن الإمام المعصوم.. فما لم يكن الإمام حاضراً لا يجب الدِّفاع على جميع المسلمين.
لكن قد يُقال بوجوبه وعدم الحاجة لإذن الإمام في موارد منها:
المورد الأول: تَعَرُّضُ الإسلام للخطر
أي أنَّ عَدُوَّ المسلمين إذا غزا بلادَهم فهنا صورتان:
الصورة الأولى: أنْ لا يُشَكِّلَ غَزوُهُ لبلاد المسلمين خطراً على أصل الإسلام وكينونته ووجوده وبقائه، فحينها لا يَجِبُ الدِّفاع على كل أحد.
الصورة الثانية: أن يكون في هذا الغزو خطرٌ على الإسلام بنفسه، فيكون في مَعرَضِ الزَّوال والإندراس.. وحينها يجب الدِّفاع على كلِّ المسلمين، ولو كان الحاكم المسلمُ لبلادهم جائراً ظالماً سالباً للخلافة.
وهذا هو القول المعروف بين الفقهاء..
وقد استُدِلَّ له برواية الإمام الرضا عليه السلام عندما سئل عن جهاد الرُّوم إذا دخلوا على بلاد المسلمين، فقال:
لَا يُقَاتِلُ!
وَإِنْ خَافَ عَلَى بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ والمُسْلِمِينَ قَاتَلَ، فَيَكُونُ قِتَالُهُ لِنَفْسِهِ ولَيْسَ لِلسُّلْطَانِ.. يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ فِي دُرُوسِ الْإِسْلَامِ دُرُوسَ دِينِ مُحَمَّدٍ (ص) (الكافي ج5 ص21).
فالقتالُ دِفاعاً عن المسلمين أمام أعدائهم لا يَجِبُ مُطلَقاً، بل يجب عند الخوف على بيضة الإسلام فقط.
والمراد ببيضة الإسلام: مُجتَمَعُ الإسلام وأصله، والمراد بالخوف على بيضة الإسلام هو أن يكون مُرَادُ الأعداء (دَفعُ بِنَاء الإسلام) وهدمه من أساسه، وقتل المسلمين جميعاً أو إخراجهم عن دينهم.. فيكون الخوف على ما به قِوام الإسلام.
وقد أفتى بمفاد هذه الرواية جُلُّ الفقهاء، فقال الشيخ الطوسي رحمه الله:
ومتى لم يكن الإمام ظاهراً.. لم يجز مجاهدة العدوّ.. اللهمّ إلّا أن يَدهَمَ المسلمين أمرٌ من قبل العدوّ يُخاف منه على بيضة الإسلام ويُخشى بَوَارُه.. وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم. غير أنّه يقصد المجاهد، والحال على ما وصفناه، الدّفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام.. ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر، ولا مجاهدتهم ليُدخلهم في الإسلام (النهاية ص290).
وقال العلامة الحلي رحمه الله:
متى دهم المسلمين- والعياذ بالله- عدوٌّ يُخشى منه على بيضة الإسلام، وجب على المسلمين كافّة النفور إليهم ودفعهم (منتهى المطلب ج14 ص28).
وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله:
الجهاد لحفظ بيضة الإسلام: إذا أراد الكفار المستحقون لغضب الجبار الهجوم على أراضي المسلمين وبلدانهم وقراهم، وقد استعدّوا لذلك وجمعوا الجموع لأجله، لتعلو كلمةُ الكفر، وتهبط كلمةُ الإسلام، ويضربوا فيها بالنواقيس، ويبنوا فيها البِيَعَ والكنائس، ويُعلِنُوا فيها سائر شعائر الكفر، ويكون الشَّرع باسم موسى وعيسى عليهما السلام، ويشتدّ الكفر ويتزايد باستيلاء القائلين بالتثليث وغيرها من المناكير، النافين في الحقيقة لوحدة الصانع الخبير.. (كشف الغطاء ص381).
ولذا لا يفتي الفقهاء بوجوب الدِّفاع أمام كلِّ عدوٍّ يحتلُّ بلاد المسلمين.. بل ينظرون إلى الأثر الُمتَرَتِّبِ على ذلك، فإن كان يُخشى من احتلالهم اندراسُ الإسلام، كما في الصورة الثانية وجب القتال.
وإن كان غرضُ العدوّ هو السلطنة والنفوذ وما شابه، دون أن يكون له شُغلٌ بدين الإسلام.. فلا يجب الدِّفاع.. بل قد يَحرم!
قال صاحب الجواهر رحمه الله، بعدما ذكر وجوب الدِّفاع إذا تعرَّضت بيضة الإسلام للخطر.. وعدم اختصاص ذلك بمن قَصَده الكُفَّار من المسلمين، ووجوبه على سائر المسلمين مع عدم قدرة المقصودين على المقاومة.. قال:
نعم قد يُمنَعُ الوجوب، بل قد يقال بالحُرمَة لو أراد الكُفَّار ملك بعض بلدان الإسلام أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السَّلطَنة، مع إبقاء المسلمين على إقامة شِعار الإسلام، وعدم تعرُّضِهِم في أحكامهم بوجهٍ من الوجوه، ضرورة عدم جواز التَّغرير بالنفس من دون إذنٍ شرعيّ، بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثني، إذ هو في الحقيقة إعانةٌ لدولة الباطل على مثلها.
نعم لو أراد الكفار محو الإسلام ودرس شعائره وعدم ذكر محمدٍ صلى الله عليه وآله وشريعته، فلا إشكال في وجوب الجهاد حينئذٍ ولو مع الجائر، لكن بقصد الدَّفع عن ذلك، لا إعانة سلطان الجور، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى النصوص (جواهر الكلام ج21 ص47).
فهو رحمه الله يرى أنّه ما لم يكن هناك خطرٌ على الإسلام، يكون قتال هؤلاء المعتَدِين في زمن الغيبة مُحرَّماً..
فإنَّ في قتالهم تغريرٌ بالنفس أولاً.. بتعريضها للخطر، ولم يَقُم دليلٌ على ذلك إلا في موردٍ يُخافُ منه على الإسلام.
وفيه ثانياً إعانةٌ لحُكَّامِ الجَور المخالفين.. أمام الحُكَّام الكافرين.. وكلاهما على باطلٍ وضلال.. فكلٌّ منهما من مصاديق دولة الباطل وسلطان الجَور، ولا يصحُّ تأييدُ أحدهما ولا نَصرُه ما دام الإسلام ليس في خطر..
وصِراع الحاكم المسلم المخالف مع الحاكم الكافر المهاجِم إنما هو صِراعُ نفوذٍ وسَطوة.. لا صراع دين وشريعة..
هذا هو القولُ المعروفُ بين الفُقهاء، وإن خالفَ فيه بعضهم، من جهة وجوب الدِّفاع على كلِّ مسلمٍ حتى لو لم يكن غَرَضُ الكُفَّار محوَ آثار الإسلام.. كالشيخ ضياء الدين العراقي رحمه الله، حيث قال بوجوب القتال حتى لو كان غَرَضُ المهاجم: (مجرَّد التسلُّط على الأراضي، بلا نظرٍ منهم إلى تغيير دينهم أو حكمٍ من أحكامهم) لأنه يرى أن الاستيلاء على أراضي المسلمين موجبٌ: لِذُلِّهِم وهَتكِ صولتهم جزماً (شرح تبصرة المتعلمين ج4 ص333).
وقال رحمه الله: وأما الجهاد- ولو بمعنى الدِّفاع- فلا شبهة في وجوبه على ما تقدّم حتى في زمان الغيبة، ولو كان غَرَضُ الكُفَّار مجرّدَ الاستيلاء على بلاد المسلمين بلا نظرٍ الى عقائدهم.
وقال: انَّ خوف استيلائهم على المسلمين أيضا مُجَوِّزٌ لدفاعهم، ولو لم يكن غرضهم محو آثار الإسلام (شرح تبصرة المتعلمين ج4 ص385).
ويظهر الفرق بين القولين فيما لو اعتقدنا أنَّ الكافر الذي احتلَّ بلاد المسلمين لا يُريد هدمَ الإسلام، إنَّما يريد الإستيلاء على البلاد وتقوية النفوذ وما شابه.
فعلى القول الأول: لا يجبُ القتال.
وعلى القول الثاني: يجبُ القِتال على كلِّ قادرٍ من المسلمين.
والأرجح هو القولُ الأولُ بلا رَيبٍ.. وعدم وجوب القتال.. لاختصاص النُّصُوص الدالّة على جواز القتال بحفظ بيضة الإسلام، وليس هناك مِن خَطَرٍ على الإسلام من وجود الحاكم الكافر الذي إن كان يُخَلِّي بين الناس وبين دينهم..
بل قد يكون في بقاء الحاكم المسلم الظالم خَطَرٌ على التشيُّع (وهو حقيقة الإسلام)، فيما لو لم يكن قد خَلَّى بين المؤمنين وبين شعائرهم.. وجَهِدَ في منعهم من إقامتها، وعمل على طَمسِها، فيكون الكافرُ أقلّ ضرراً على المؤمنين من المخالف.
أمَّا مَن تبنَّى القول الثاني.. فتكليفه هو وجوب القتالُ دفاعاً عن المسلمين في كلِّ أرضٍ غزاهم فيها أعداؤهم.. ولم يقدروا على الدِّفاع عنها.
ولازم ذلك أنَّ كلَّ مُسلِمٍ يعتقدُ بذلك، ويكون قادراً على القتال، ولا يتوجه للدِّفاع عن المسلمين يكون مأثوماً عاصياً لله تعالى.
وقد ذكر الفقهاء أن الأوجب هو قتال الأقرب فالأقرب.. فإن لم تَقُم الكفاية بالأقرب توجه التكليف للأبعد.. وهكذا.. أي أنَّ القريبين من بلاد المسلمين التي تعرضت للغزو يجب عليهم معونتهم بناءً على هذا القول، فان كان في معونتهم لهم كفاية ويقدرون بذلك على الانتصار على عدوِّهم، سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يكن فيه الكفاية توجَّه الوجوب إلى غيرهم حتى يأثم جميع المسلمين بترك معونتهم، أو يصلوا إلى حدٍّ يقدرون به على دفع عدوِّهم.
وعلى هذا القول يكون كلُّ من اعتقد بوجوب الدِّفاع اليوم قريباً أو بعيداً مأثوماً لأنَّ الكفاية لَم تَقُم بمن يحاول الدِّفاع عن بلاد المسلمين.
على أنَّ المُراد من الأقرب ليس هو القرب المكاني دائماً.. وإن كان هو الغالب..
فالمراد من ذلك الأقرب إلى النَّفع والذَّب والدِّفاع وإن كان بعيداً في المكان..
قال الميرزا القمي رحمه الله: المُرَادُ من الأقرب من كان أنفع للدِّفاع بسبب التهيؤ والاستعداد، وقد يكون الأبعد مستعداً بحيث لا حالة منتظرة لهم في الحرب، بخلاف الأقرب، فلا بدّ أن يُراد بالقرب القرب إلى حضور القتال، وظهور اللفظ فى القرب المكاني محمول على الغالب (جامع الشتات ج1 ص359).
أي أنَّ البعيد إن كان أقدر على القتال وأكثر استعداداً توجَّه الواجب إليه قبل القريب الذي لا عدَّة له.. لذا لا يجوز لمن اعتقد بوجوب القتال للدفاع عن المسلمين أن يعتذر بالبُعد المكاني، سيَّما في أيامنا حيث صار القتال بالأسلحة الحديثة ومِن مَدَيات بعيدة من أكثر أنواع القتال تأثيراً.
وعلى كلِّ حال.. فهذا القولُ مُخالفٌ للمشهور.. وعلى القائل به أن يتوجَّهَ للدِّفاع عن بلاد المسلمين وإلا كان مأثوماً.
المورد الثاني: تَعَرَّضُ المسلمين للخطر
لقد أشار الإمام الرضا عليه السلام في الرواية المتقدِّمَة إلى وجهٍ آخر يجوز فيه القتال، وهو تَعَرُّضُ المسلمين للخطر.. ولو لم يكن هناك خطرٌ على أصل الإسلام.
فحينما سئل عن الجهاد قال: لَا، إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى ذَرَارِيِّ المُسْلِمِينَ! (الكافي ج5 ص21).
ولكن.. يحتمل أن يكون المُراد من هذه الرواية أيضاً الخوف من انمحاء الإسلام بانقطاع ذراري المسلمين، فتكون دالة على الصورة الأولى أيضاً.
وقد يُستدلُّ له بروايةٍ أخرى عن الصادق عليه السلام حينما سئل: عَنْ قَوْمٍ مَجُوسٍ خَرَجُوا عَلَى أُنَاسٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، هَلْ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ؟
قَالَ نَعَمْ، وسَبْيُهُمْ (تهذيب الأحكام ج6 ص161).
ولذا أضافَ هذا الموردَ جملةٌ من العلماء، فهذا الشيخ الطوسي رحمه الله بعدما ذكر المورد السابق وهو تَعَرُّضُ الإسلام للخطر أضافَ مورداً آخر وهو الخوف على قومٍ من المسلمين: (أو يخاف على قوم مِنهم) أي من المسلمين..
ثمَّ عاد وقال أنَّ المُدافِعَ يقصد بفعله الدِّفاع (عن المؤمنين) (النهاية ص290).
وكذا فعل الشهيد الأول رحمه الله، فقال أنّه لا يجوز الجهاد بغير دُعَاءِ الإمام إليه:
إلّا أن يخاف على بيضة الإسلام- وهي أصله ومجتمعه- من الاصطلام، أو يخاف اصطلام قومٍ من المسلمين، فيجب على من يليهم الدفاع عنهم.
ولو احتيج إلى مددٍ مِن غيرهم وَجَبَ لِكَفِّهم لا لإدخالهم في الإسلام (الدروس ج2 ص30).
وكذا الشهيد الثاني رحمه الله، حيثُ عَدَّ مِن أقسام الجهاد:
أن يدهَمَ المسلمين عَدُوٌّ من الكفّار، يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ مالهم وما أشبهه من الحريم والذرّية.
وجهاد هذا القسم ودفعه واجبٌ على الحرّ والعبد، والذَّكَرِ والأنثى، إن احتيج إليها. ولا يتوقف على إذن الامام ولا حضوره. ولا يختص بمن قصدوه من المسلمين. بل يجب على من عَلِمَ بالحال النهوض، إذا لم يعلم قدرة المقصودين على المقاومة.
ويتأكّد الوجوب على الأقربين فالأقربين. ويجب على من قصدوه بخصوصه المدافعة بحسب المكنة.. فإن علم أنّه يُقتَل لم يعذر في التأخّر بوجه، وان لم يعلم القتل، بل جوّز السلامة والأسر، ورجا السلامة مع المدافعة فكذلك، وإن علم أنّه يُقتَل مع عدم الاستسلام وجب عليه الاستسلام، فإنّ الأسر يحتمل مع الخلاص (مسالك الأفهام ج3 ص8).
وقد ذَكَرَ وجوبَ الدِّفاع عن المسلمين أيضا الميرزا القمي رحمه الله بقوله: او يخاف منه هلاك جمعٍ من المسلمين. فالظاهر جوازه، بل وجوبه سواء كان بتبعيَّة امام جايرٍ ام لا (جامع الشتات ج1 ص357).
أي أنَّه يجب الدِّفاع عن المسلمين المُعَرَّضِين للقتل، ولو لم يكن المهاجم قد أراد إفناء الإسلام وإبادته وإبادة أهله.
وقد قسَّمه الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله إلى أقسامٍ ثلاثة:
الأول: قتال الملاعين لمنعهم من التسلُّط على دماء المسلمين وأعراضهم.
الثاني: القتال لدفعهم عند الخوف من استيلاء الكفار على بلاد المسلمين.
الثالث: القتال لدفعهم عن بلاد المسلمين وإخراجهم منها بعد تَسَلُّطِهِم عليها، والسعي في نجاة المسلمين (يُراجَع كشف الغطاء ص381).
ولهذا المورد تفصيلٌ يتَّضح فيما يأتي.
خامساً: تفصيل موارد الدفاع
يبقى ههنا أمور لا بدَّ من الوقوف عندها:
الأمر الأول: هل يجب الدفاع عن كلِّ مسلم؟
أي أنَّ الوجوب المذكور في المورد الثاني المتقدِّم.. هَل يُراد منه كلُّ مسلمٍ تَشَهَّدَ الشهادتين؟ أم خصوص المؤمن الموالي الإثني عشري؟
ظاهر أكثر العبائر شمولها للمسلمين جميعاً..
لكنَّ في بعضها إشاراتٌ الى اختصاصها بالمؤمن.. كما في عبارة الشيخ الطوسي المتقدمة في قصد الدِّفاع (عن المؤمنين) (النهاية ص290).
وكما في عبارة الشيخ جعفر كاشف الغطاء.. عندما قال:
ويجب على المسلمين الحاضرين والغائبين إن لم يكن في الثُّغُور من يقوم بدفعهم عن أرضهم أن يتركوا عيالَهم وأطفالهم وأموالهم ويهاجروا إلى دفع أعداء الله عن أولياء الله (كشف الغطاء ص381).
بتقريب أنَّ (أولياء الله) هم المؤمنون المتقون.. ﴿وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرام وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُون﴾ (الأنفال 34)، وليسوا سوى الشيعة، الذين لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون..
وأولياء الله يقابلون أعداءه تعالى، والمخالفون من أعداء الله بلا ريب.. كما قال السيد الخوئي رحمه الله: لأن المخالف غير المستضعف الذي قَدَّمنَا حُكمَه إما معاندٌ أو جاهِلٌ مُقَصِّر، وكلاهما عدوّ الله (موسوعة الخوئي ج9 ص245).
فعلى القول الأول.. يجب الدِّفاع حتى عن المخالفين!
ومَن اعتقد بذلك ولَم يُدافِع عنهم اليوم كان مأثوماً، لأنَّ الكِفاية لَم تَقُم بمَن يُقاتل، أي أنهم لا زالوا يُقتَلوُن وأرضهم محتلَّة.
وإذا وجب القتال.. فإنَّه: يجب على كل قادرٍ على النصرة من قريبٍ أو بعيدٍ الحضور في عسكر المسلمين وجوباً كفائياً لا يسقط إلا إذا قام به من به الكفاية (كشف الغطاء ص381).
وعلى القول الثاني.. لا يجبُ الدِّفاع إلا عن المؤمنين.. كما هو الأظهر.. إلا أن يكون في الدِّفاع عن المخالفين حِفظٌ للإسلام.. فيجب.. وليس الأمر كذلك اليوم.
الأمر الثاني: هل الوجوب مطلقٌ أم مشروطٌ بالقدرة؟!
إنَّ وجوب الدِّفاع عن النفس كما سائر التكاليف منوطٌ بالقُدرة..
قال الشيخ الطوسي: ويجب عليه أن يدفع عن نفسه إذا طُلِبَ قتلُه، ولا يجوز أن يستسلم مع القدرة على الدفع (الخلاف ج5 ص345).
فالدِّفاع واجبٌ مع القدرة.
وقال الشيخ حسين آل عصفور رحمه الله في أحكام الدِّفاع:
والثابت منه ما استكمل الشرائط المقرَّرة، وهو ما يُرجى معه السلامة، فلا يحلّ إذا ظنَّ العَطَبَ كما هو مُصَرَّحٌ به في كثيرٍ من الأخبار. فيجب الدفاع عن النفس والحريم مع الإمكان (سداد العباد ص410).
إلى أن يقول: ولا يجوز الاستسلام في شيء من هذه الحالات، حيث يجب الدِّفاع، فإن عجز ورَجَا السلامة بالكفّ والهرب وجب عليه (سداد العباد ص411).
أي أنَّ الدخول في القتال إن كان مع العَجزِ وخوف القَتل فهو مُحَرَّم.. ويجب الاستسلام إن عَجِزَ عن الدَّفع ولم يرجُ السلامة بالقتال، بل رجاها بتركه، إلا أن يكون في ذلك خطرٌ على حياته فيجبُ القتال ولا يجوز الاستسلام.
كلُّ هذا في موارد الدِّفاع عن النَّفس من الخطر، أما في موارد الجِهاد والقتال لحفظ الدِّين فالخوف على النَّفس لا يسوغ الفرار، ويجب القتال إن كان الدِّين في معرض الخطر حتى لو علم أنَّه يُقتل.
الأمر الثالث: هل يجوز الدفاع حتى لو وقع ضَرَرٌ على طَرَفٍ ثالث؟
أي أنَّه عندما يلزم الدِّفاع عن بلاد المسلمين، هل يكون الوجوبُ مطلقاً أم أنَّه مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ وقوع الضَّرَر على مسلمٍ ثالث كما هو حال الحروب في أيامنا؟!
بمعنى أنه لو كانت مشاركة مؤمنٍ أو جماعةٍ من بلدٍ آمن في الدفاع عن مسلمٍ أو جماعةٍ في بلدٍ آخر، تؤدي إلى هجوم الكافر على البلد الآمن وقتل أهله، دون أن يكون عندهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم.. فهل يكون هذا من موارد الوجوب؟!
يظهر من فتاوى الفقهاء تقييد ذلك بما لا يلزم منه إيقاع الضرر على المؤمنين الآخرين.
فحينما سئل السيد محسن الحكيم رحمه الله عن (أعمال الفدائيين التي تُلهِبُ حماسَ كَثيرٍ من المسلمين).. وعن حكم المشاركة بالنفس والمال.. أجاب قائلاً:
إذا كان الإنسان يعرفُ من نفسه القُدرَةَ على الإضرار بالعدوّ، وكانت القيادة حكيمة، ولا يلزم من عمله ضَرَرٌ على المسلمين، وجب عليه الإضرار بالعدوّ المجرم خذله الله تعالى (فتوى مُصَوَّرة بتاريخ 11 ربيع الأول 1388 هـ).
فلا يصحُّ أن تدخُلَ فئةٌ لتدفَعَ ضيماً عن فئةٍ أخرى.. فيقع بفعلها ضررٌ وقتلٌ لجماعةٍ ثالثة من المؤمنين كانوا آمنين لولا دخولهم!
فكيف إذا كان مَن يُراد الدِّفاع عنه غير مؤمنٍ.. وكان الضَّرَرُ واقعاً على المؤمنين.. مؤدياً إلى قتل جمعٍ منهم وإنزال الأذى عليهم؟!
ثم كيف يسوغ ذلك إذا كان المقاتِلُ يعلَمُ أنَّه لن يدفع القتل عمَّن يُريد الدِّفاع عنهم؟! بل سيتعرَّض بسببه قومٌ آخرون من المؤمنين للخطر والقتل؟!
لذا صرَّح بعض الفقهاء المعاصرين كالشيخ الفياض حفظه الله أنَّ مثل هذه الأمور تحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي، وينبغي أن تتوفر فيها شروطٌ خاصَّةٌ فقال:
الدعوة إلى الجهاد وتحرير فلسطين ومقاومة الصهاينة ليست وظيفة كل أحد، فإن هذه الدعوة في زمن الحضور لا بد أن تكون من الإمام (ع)، وفي زمن الغيبة من الحاكم الشرعيّ الجامع للشرائط منها الأعلمية، وليست هذه الدعوة لكلّ أحد، وهذه الدعوة سواء كانت في زمن الحضور أم في زمن الغيبة منوطةٌ بتوفر شروطها ووسائلها ونجاحها في نهاية المطاف.
نعم يجب على كل مسلمٍ الدفاع عن نفسه وعِرضه وأرضه في مقابل هجوم العدوّ بكل الوسائل المتاحة، شريطة أن يكون قادراً على الدفاع، وإلا فلا شيء عليه (مائة سؤال وجواب ص46).
فلا بُدَّ أولاً من توفُّر القُدرة.. فلا يصحُّ تعريضُ النَّفس للقتل مع العلم بأنَّ ذلك لن يدفع عن المسلمين القَتلَ والظُّلم..
ولا بُدَّ (في غير الدِّفاع عن النَّفس) من إجازة الحاكم الشرعي، القادر على معرفة مواطن الخوف على بيضة الإسلام.. والقادر على تشخيص مصلحة المجتمع المؤمن.. وسُبُل حفظه..
فلا يصحُّ التضحية بالمؤمنين أو الإضرار بهم للدِّفاع عن المخالفين ما لَم يكُن الإسلام في معرض الخطر..
ولو تَمَّت هذه الشروط اليوم.. وكان القتال واجباً، لكان جُلُّ المؤمنين عصاةً حيث تخلَّفوا عن أداء الواجب! لأنَّ الكفاية لَم تَقُم بمَن يُقاتِل، فبعض بلاد المسلمين لا زالت محتلَّة، وبعضهم لا يزال يُقتَلُ كلَّ يوم.
على أنَّه لا وجه للقول بجواز ذلك اليوم دون وجوبه.. وأنَّ من أقدَمَ مَعذورٌ ومن تخلَّف كذلك.. لأنَّ القِتالَ مُباحٌ أو مستحب.. لأن هذا القول لا يتمّ..
فإنَّ تعريض النفس للخطر في مثل هذه الموارد إمّا جائِزٌ.. أو مُحَرَّمٌ!
قال السيد الخوئي رحمه الله: وذلك لحرمة تعريض النفس على القتل، إلّا أن يجب كما في الجهاد والدِّفاع، فالجواز في ذلك مساوقٌ للوجوب، لأنّه إذا جازَ وجب، وإذا لم يجب حَرُم (موسوعة الخوئي ج8 ص379).
ففي باب الجهاد والدِّفاع عن النفس والمسلمين، إما أن يكون الأمرُ واجباً.. أو يكون مُحرَّماً..
والأصلُ هو حُرمة تعريض المرء نفسه للقتل.. إلا أن يكون الجهادُ واجباً عليه، فيجب أن يقاتِل ولو عَرَّضَ نفسه للقتل.
صفوة القول
1. إنَّ ابتداء الكفّار بالقتال مشروطٌ بإذن الإمام وحضوره.. وفي زمن الغيبة لا يجوز ذلك أبداً كما هو المشهور بين فقهاء الشيعة.
2. إنَّ الدِّفاع عن النَّفس واجبٌ مع القدرة.. ومع عدمها يسقط.. ومع ظنِّ السلامة بعدم الدِّفاع، وظَنِّ القتل بالدِّفاع يجب الإعراض عنه..
3. إنَّ الدِّفاع عن النَّفس واجبٌ سواءُ قلنا أنه جهادٌ أو قلنا أنَّه دِفاعٌ وليس بجهاد.
4. إنَّ الدِّفاع عن بلاد المسلمين مقابل الكفّار واجبٌ إذا كان غَرَضُ الكُفّار هدم بيضة الإسلام وإزالته من الوجود.
5. إنَّ الدِّفاع عن المسلمين قد يجب إذا كانوا من أهل الإيمان.. وقد يَحرُم إذا لم يكونوا كذلك وكان في الدِّفاع عنهم تعريض مؤمنين للخطر، أو لم يكن ذلك بإذن الحاكم الشرعي.
6. إنَّ مَن رأى خلافَ ذلك وقال بوجوب الدِّفاع عن المسلمين ولم يُقدِم على ذلك فهو مأثومٌ مُعاقَب، لأنَّ الكفاية لَم تَقُم بعد بمَن يُقاتِل، ولَم تُحرَّر بلادُ المسلمين من أعدائهم. ولا يكفي قيامُ فئةٍ بالقتال للإسناد والدَّعم طالما أنَّه لم يتحقَّق الغرض وهو منع القتل عن المسلمين، وتحرير أرضهم.
7. إنَّ كلَّ تفصيلٍ من هذه التفاصيل هو حُكمٌ فقهيٌّ لا يصحُّ أخذه من هذا البحث، بل لا بُدَّ من العَودٍ إلى الفقيه الأعلم الجامع للشرائط وأخذ الفتوى عنه في كلِّ مورد.. وما لَم يُحرِز الإنسان فتوى الفقيه في جواز القِتال فالأصلُ عَدَمُ جواز تَعريض النَّفس للقتل.. إلا في الموارد التي دَلَّ عليها العقل والنَّقل معاً كالدِّفاع عن النفس مع القدرة.
نسأل الله تعالى أن يوحِّدَ كلمة المسلمين جميعاً، وأن ينصرَهم على أعدائهم، وأن يرُدَّ كيدهم إلى نحورهم، وأن يرفع راية الإسلام خَفَّاقة بيد ولي العصر، وصاحب الأمر، المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
والحمد لله رب العالمين