البحث المتقدم

البحث المتقدم

الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!

0 تقييم المقال

بسم الله الرحمن الرحيم
 
في مثل هذه الأيام من عام 195 للهجرة، وُلِدَ أقصر الأئمة عُمراً، الإمام محمد الجواد عليه السلام.
 
هو الإمام الذي استشهد والده وعمره ثمان سنوات، فكان المؤمنون أمام امتحانٍ بِلَونٍ جديدٍ شديدٍ، وهو اتِّباع إمامٍ بهذا السنِّ للمرة الأولى، قبل أن يتكرر الأمر مع ابنه الهادي عليه السلام بعمرٍ مماثل، وحفيده المهدي المنتظر عليه السلام ذو السنوات الخمس عند شهادة والده!
 
لكنَّه عليه السلام كان جواداً على الشيعة في أيامه، فعَمَّهم بعلومه وبركاته ورعايته، وما أظهر الله على يديه من العجائب الباهرة، فعرفوا شيئاً من قدره وشأنه وعظمته عند الله تعالى.
 
ثمَّ كان جواداً على الشيعة في زمن غيبة حفيده.. في أيَّامنا نحن، الذين غابَ عنَّا إمامنا، فَبيَّنَ لنا وحَذَّرَنا وأرشدنا رحمةً بنا وبأدياننا.
 
فالإمامُ الذي أقرَّ من لم يعتقد بإمامته أنَّه (يَعْلَمُ مَا فِي النُّفُوسِ) هو إمامٌ عالمٌ بما كان وما يكون إلى قيام يوم القيامة.
 
ولقد روى عنه السيد الجليل (عبد العظيم الحسنيّ)، الذي أثنى الأئمة الأطهار عليه في رواياتهم، ونصوا على أن زيارة قبره كزيارة قبر الحسين عليه السلام! وكان رجلاً عظيم الشأن رفيع القدر من الذريَّة المباركة.. روى دخوله على الإمام الجواد عليه السلام قائلاً: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ‏ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ القَائِمِ: أَ هُوَ المَهْدِيُّ أَوْ غَيْرُهُ.
 
يعلمُ المؤمنون أنَّ كلَّ إمامٍ من الأئمة يسمى ب(القائم) عندما يقوم بأمر الإمامة، وبأمر من كان قبله، لكنَّ القائم بالسيف منهم واحدٌ.. هو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً.
 
ولقد أراد السيد عبد العظيم أن يسأل عن هذا القائم بالسيف.. أهو المهديُّ آخرهم عليهم السلام؟ أم أنَّه يمكن أن يقوم بالأمر أحدٌ قبله.
 
لقد كان الشيعة في تلك الأيام يُعَانُون الشدَّة والضيق، وكان السيد عبد العظيم منهم، فهو الذي هاجر إلى الرَّي مبتعداً عن أهله وقرابته وأرضه، خوفاً من سلاطين الجور الذين نَكَّلوا بالأطياب الأطهار وذراريهم.
 
وقبل أن يسأل السيدُ الحسنيُّ إمامَنا الجواد شيئاً، ابتدأ الإمام عليه السلام بالجواب، مُبيِّناً أنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو القائم بالسيف، كاشفاً خارطة الطريق للشيعة في زمن غيبته، وهي أيامنا التي نعيشها، موضحاً تكليفنا فيها، رحمةً بنا وشفقةً علينا، لِيَسلَمَ لنا ديننا الذي ارتضاه الله لنا.
 
يقول السيد عبد العظيم: فَابْتَدَأَنِي هُوَ فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، إِنَّ القَائِمَ مِنَّا هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ فِي غَيْبَتِهِ، وَيُطَاعَ فِي ظُهُورِهِ، وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ وُلْدِي، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ، وَخَصَّنَا بِالإِمَامَةِ، إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ الله ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ فَيَمْلَأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَإِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُصْلِحُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ كَلِيمِهِ مُوسَى (ع) إِذْ ذَهَبَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَرَجَعَ وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
 
ثُمَّ قَالَ (ع): أَفْضَلُ أَعْمَالِ شِيعَتِنَا انْتِظَارُ الفَرَجِ (كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر ص281).
 
لقد بَيَّنَ الإمام الجواد عليه السلام في هذا الحديث كما بينت سائر الأخبار أموراً في غاية الخطورة منها:
 
1. أنَّ الإمام المهدي هو القائم بالسيف، دون سائر الأئمة قبله، فلن يقوم بالسيف الإمام الجواد ولا ابنه الهادي ولا حفيده العسكريّ عليهم السلام، بل سيكون هذا القيام موكولاً إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولذا كان حال الأئمة منذ قتل الحسين عليه السلام إلى يومنا واحداً، فلم يسلَّ أحدٌ منهم سيفاً، بعدما أُلجأ الإمام الحسين عليه السلام إلى القتال، ثم قتل قتلةً لم يقتل مثلها أحدٌ قط!
 
2. أنَّ تكليف الشيعة في زمن الأئمة عليهم السلام كان التأسي والاقتداء بهم، وطاعة أمرهم، وعدم التقدُّم عليهم، ولا الاستقلال بالقرار دونهم، فلا يصحُّ بحالٍ أن يتقدَّم المأموم على إمامه، أو يقوم وإمامه قاعدٌ، أو يقعد وإمامه قائمٌ، وإلا لم يكن له بإمام، فالمأموم هو المطيع لإمامه في كلِّ حركاته وسكناته.
 
3. أنَّ تكليف الشيعة في زمن الغيبة هو وجوب انتظار الإمام المهديّ عليه السلام: (الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ فِي غَيْبَتِهِ)، بل إنَّ هذا الإنتظار هو أفضل الأعمال (أَفْضَلُ أَعْمَالِ شِيعَتِنَا انْتِظَارُ الفَرَجِ)، ولا يصحُّ ذلك إلا أن يكون للإنتظار معنىً عظيم في نفسه، وفي كتاب العين أنَّ الانتظار وعدم مجاوزة الفعل معناه (وقفت وتمهلت) (العين ج8 ص156)، وفي غيره من كتب اللغة أن الانتظار يكون: (كأنّه ينظر إلى الوقت الذي يأتي فيه) (معجم مقاييس اللغة ج5 ص444)، فالمنتظر هو الذي يتمهَّلُ ويترقَّبُ الشيء ويتوقَّعه، لذا لا يجتمعُ الإقدام مع الإنتظار، ولقد صاح إبليسُ يوماً بقريشٍ ومعشر العرب مُحَرِّضاً إياهم على قتال النبيِّ صلى الله عليه وآله في جمرة العقبة، فسأل الأنصارُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله أن يأذن لهم بقتالهم، فقال صلى الله عليه وآله: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَأْذَنِ الله لِي فِي مُحَارَبَتِهِمْ، قَالُوا: أَ فَتَخْرُجُ مَعَنَا؟ قَالَ: أَنْتَظِرُ أَمْرَ الله (تفسير القمي ص273)، فلو خرج معهم لما كان (ص) منتظراً أمر الله تعالى، كما أنَّ من انتظر أحداً على طعامٍ لم يسبقه إليه، وإن سبقه إليه لم يكن منتظراً.
 
4. أنَّ انتظار الشيعة هو ترقُّبٌ للإمام عليه السلام ولدولة الحق التي يقيمها، كما نصَّ على ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فوصفهم أنهم: مُنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الحَقِّ (الكافي ج1 ص335)، وقد بيَّنَ الإمام الرضا عليه السلام أنَّ المنتظر للشيء بحكم المقيم عليه، كما في صلاة الجمعة، فإنَّه لما سئل عن علة جعلها ركعتين بدل الأربع قال: وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ يَحْبِسُهُمْ لِلْخُطْبَةِ وَهُمْ مُنْتَظِرُونَ لِلصَّلَاةِ، وَمَنِ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ فِي حُكْمِ التَّمَام‏ (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏2 ص111)، فلا عجب أن (مَن مَاتَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ مُنْتَظِراً) كان (بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مَعَ الْقَائِمِ ع فِي فُسْطَاطِه‏) (المحاسن ج1 ص173).
 
5. أنَّ الله تعالى يضاعف الثواب للمنتظرين في زمن الغيبة لمكان خوفهم على أنفسهم وعلى إمامهم، فيصيرُ الإنتظار للإمام بنفسه درجةً رفيعة عند الله تعالى، لأنَّه مقرونٌ بالصبر على الشدائد، وطاعة الإمام بامتثال أمره والقعود لمّا قعد، كما في الحديث الشريف (عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ المُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ أَفْضَلُ لِخَوْفِكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ)، ثمَّ يصف الإمام عبادة المؤمنين في زمن الغيبة مع الإمام المستتر وأنهم (مُطِيعُونَ لَهُ صَابِرُونَ مَعَهُ مُنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الحَقِّ، خَائِفُونَ عَلَى إِمَامِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ مِنَ المُلُوكِ.. فَبِذَلِكَ ضَاعَفَ الله أَعْمَالَكُمْ، فَهَنِيئاً لَكُمْ هَنِيئاً) (كمال الدين وتمام النعمة ج2 ص646)، وهذا لا يكون إلا مع الانتظار والصبر، وإلا لم يكن انتظاراً، بل كان تقدُّما على الإمام وأمره.
 
6. إنَّ الانتظار هو عملُ الملائكة كما هو عمل المؤمنين، وهو درجةٌ رفيعةٌ عند الله تعالى، ولقد حدَّثَ سلمان علياً عليه السلام بما سمعاه عن النبيِّ (ص) ثم قال: وَالله يَا عَلِيُّ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَمَلَائِكَةً مَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا الله، وَأَنْتَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ يَنْتَظِرُونَ أَمْرَكَ، وَيَذْكُرُونَ فَضْلَكَ، وَيَتَفَاخَرُونَ أَهْلَ السَّمَاءِ بِمَعْرِفَتِكَ، وَيَتَوَسَّلُونَ إِلَى الله بِمَعْرِفَتِكَ وَانْتِظَارِ أَمْرِكَ (تفسير فرات ص455)، فقد عرف هؤلاء فضل انتظار أمر الأطهار فصاروا يتوسلون إلى الله بمعرفة الإمام وانتظار أمره، بل ورد أنَّ آلاف الملائكة لا يزالون عند قبر الحسين عليه السلام: يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْقَائِمِ (ع) (الغيبة للنعماني ص310)، وقد ورد في دعاء طين قبر الحسين عليه السلام: (اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ التُّرْبَةِ الطَّاهِرَةِ، وَبِحَقِّ الْبُقْعَةِ الطَّيِّبَةِ، وَبِحَقِّ الْوَصِيِّ الَّذِي تُوَارِيهِ، وَبِحَقِّ جَدِّهِ وَأَبِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ، وَالمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِهِ، وَالمَلَائِكَةِ الْعُكُوفِ عَلَى قَبْرِ وَلِيِّكَ يَنْتَظِرُونَ نَصْرَهُ، صَلَّى الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، اجْعَلْ لِي فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ..) (الكافي ج4 ص589)، فدلت هذه الأخبار وغيرها على عظيم شأن الانتظار، وأنَّه فعلُ الملائكة كما هو فعلُ الصالحين.
 
7. إنَّ التعجُّل في قبال قول المعصومين عليهم السلام وفعلهم كما هو شأنُ الزيدية ينافي الانتظار، وقد حاول بعضُ أصحاب الأئمة ممَّن كانوا مع الزيدية ثم تابوا أن يتشفعوا لهم عند الإمام الصادق عليه السلام، فقال أحدهم له (ع): (إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ قَوْمٌ قَدْ عُرِفُوا وَجُرِّبُوا وَشَهَرَهُمُ النَّاسُ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مُحَمَّدِيٌّ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُدْنِيَهُمْ وَتُقَرِّبَهُمْ مِنْكَ فَافْعَلْ)، فتصوَّرَ القائل أنَّ حُبَّهم للإمام كافٍ في قبول الإمام قولهم، لكنَّ جواب الإمام كان شديداً، فقال عليه السلام: (إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ عِلْمِنَا إِلَى جَهْلِهِمْ فَلَا مَرْحَباً بِهِمْ وَ لَا أَهْلًا! وَإِنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ قَوْلَنَا وَيَنْتَظِرُونَ أَمْرَنَا فَلَا بَأْسَ) (الكافي ج8 ص160)، فكشف هذا الحديثُ عن أنَّ دعوى حبِّ آل محمدٍ عليهم السلام ما لم تقترن بقبول قولهم وانتظار أمرهم فهي مردودةٌ على أصحابها، وأنَّ هؤلاء الزيدية الذين يدعون إلى الخروج بالسيف في غير أوانه، ويريدون من الإمام أن يكون قائماً بالسيف بلا إذن الله، ودون انتظار أمره، وفي غير الظرف الذي أمر الله به، ليسوا من أتباعه حقاً وصدقاً، ولا مرحباً بهم ولا أهلاً، وأنَّهم من أهل الجهل والسفاهة!
 
7. لقد سمَّى الإمام الجواد عليه السلام في حديثٍ آخر الأئمة من ذريَّته، ولمَّا وصل إلى الإمام العسكريِّ عليه السلام سكت، ولما سئل عن الإمام بعده (بَكَى عليه السلام بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْ بَعْدِ الحَسَنِ ابْنَهُ القَائِمَ بِالحَقِّ المُنْتَظَرَ)، ولو لم يكن الانتظار على درجةٍ رفيعة عند الله تعالى لما سُمِّيَ أو لُقِّبَ المهديُّ على لسان المعصوم ب (المنتظَر)، ولقد بيَّن الإمام عليه السلام وجهاً آخر سوى ما تقدَّم لتسميته عليه السلام بالقائم فقال: (لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرِهِ وَارْتِدَادِ أَكْثَرِ القَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ)، ووجهاً لتسميته بالمنتظر فقال: (لِأَنَّ لَهُ غَيْبَةً يَكْثُرُ أَيَّامُهَا، وَيَطُولُ أَمَدُهَا، فَيَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ المُخْلِصُونَ، وَيُنْكِرُهُ المُرْتَابُونَ، وَيَسْتَهْزِئُ بِذِكْرِهِ الجَاحِدُونَ، وَيَكْذِبُ فِيهَا الوَقَّاتُونَ، وَيَهْلِكُ فِيهَا المُسْتَعْجِلُونَ، وَيَنْجُو فِيهَا المُسَلِّمُونَ (كمال الدين وتمام النعمة ج‏2 ص378).
 
فَسَلامُ الله عليك يا محمد بن عليٍّ الجواد..
 
تبكي لذكر المهديِّ عليه السلام كما بكى جدُّك الصادق لذكره.
 
تبكي لحُبِّكَ إياه؟ أم تبكي لبلاء الشيعة في غيبته؟!
 
تبكي شوقاً إليه؟ أم تبكي لردَّة أكثر القائلين بإمامته؟!
 
لقد بكى الإمام لهذا وذاك..
 
وحقَّ لنا أن نبكي على إمامنا وغيبته..
 
لقد بيَّنَ الإمام الجواد عليه السلام صفتان للخلاص في زمن الغيبة: الإخلاص والتسليم.
 
فمن أخلص نيَّته لله تعالى، وسلَّم أمره له عزَّ وجل، وأطاع إمامه فما تعجَّل ولا وقَّت ولا شكَّ ولا ارتاب كان من المنتظرين الناجين.
 
وبيَّن عليه السلام أصنافاً من الناس (نسأل الله تعالى أن يحفظنا وأحبتنا وأخوتنا وسائر المؤمنين من أن نكون منهم أو أن يكونوا بيننا)، منهم:
 
1. المرتدون عن القول بإمامته، فهؤلاء قومٌ كانوا معتقدين بإمامته ثم أنكروها وارتدوا عنها، وقد رأينا بعضهم في أيامنا، لكنَّ الإمام عليه السلام يذكر ردَّة أكثر القائلين بإمامته، فهل ستكون ردَّة أكثرهم جهاراً نهاراً من شدَّة الفتن؟ أم سيرتد كثيرٌ منهم في واقع الأمر وإن لم يظهروه؟ هذا ما يعلمه الله تعالى.
 
2. المرتابون الشكاكون، الذين يؤدي بهم شكُّهم إلى إنكار الإمام، والشاكّ لا خير فيه، فإن هؤلاء يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويُعرِضُون عن اليقين إلى الشك، والشَّك من دعائم الكفر.
 
3. الجاحدون المستهزؤون، الذين ينكرون وجود الإمام ويستهزؤون بذكره، وما أكثرهم في أيامنا، ومنهم من يجعل أصل وجود الإمام أو طول حياته باباً للسخرية، ومنهم من يذكر سرداب الغيبة ويجعله باباً للطعن به (ع) وبشيعته كأنَّه سجين فيه، لعنهم الله بكفرهم.
 
4. الوقاتون الكاذبون، الذين يضربون للناس أوقاتاً لخروج الإمام، ويزعمون أن ما ليس بعلامةٍ علامة، وأنَّه كُشِفَ لهم الغطاء فعرفوا وقت الظهور وأمده، ولا فرق بين أن يكون توقيتهم بتحديد وقتٍ معيِّنٍ كيوم وساعة، أو وقتٍ إجمالي كأن يزعموا علمهم بسنة خروج الإمام، أو أنه سيخرج خلال هذه الأعوام، أو خلال عمري أو عمر فلان، أو عمر الدولة الفلانية، أو أن فلاناً سيكون حياً عند ظهوره ويسلمه الراية، وما شابه من توقيتٍ إجماليٍّ أو تفصيليٍّ، فكلُّه كذب على الله تعالى، لأنَّ الله تعالى لم يجعل له وقتاً معلوماً، ولا يعرف المؤمنون عصر ظهوره الشريف إلا ببدء العلامات الحتميَّة المتَّصلة بالظهور المبارك، والتي لا خفاء فيها.
 
5. المستعجلون الهالكون، الذين يريدون ابتعاث دولة الحق قبل أوانها، كالزيدية، فيرون القيام بالسيف في كلِّ حين وآن، ويسلون سيفهم مع أنَّ سيف إمام الزمان في غمده، ولو قد آن أوانه لَجَرَّد سيف ذي الفقار بيده المباركة.
 
قال النبيُّ صلى الله عليه وآله:
 
وَلَهُ سَيْفٌ مُغَمَّدٌ، فَإِذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ اقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّيْف مِنْ غِمْدِهِ، وَأَنْطَقَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَنَادَاهُ السَّيْفُ: اخْرُجْ يَا وَلِيَّ الله! فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقْعُدَ عَنْ أَعْدَاءِ الله.
 
فَيَخْرُجُ وَيَقْتُلُ أَعْدَاءَ الله حَيْثُ ثَقِفَهُمْ وَيُقِيمُ حُدُودَ الله (كمال الدين وتمام النعمة ج‏1 ص 268).
 
هذا شيءٌ من جُود الإمام الجواد على الشيعة في زمن الغيبة، حين بَيَّنَ لهم ما يجري عليهم، وأرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، وحفظ دنياهم وأخراهم، فصاروا من المنتظرين لظهور الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه، وسهل مخرجه، وجعلنا من أنصاره وأعوانه.
 
والحمد لله رب العالمين
 
الجمعة 9 رجب 1446 هـ، الموافق 10 – 1 – 2025 م

نعم
هل اعجبك المقال