في ظلال طوفان الأقصى 79 أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
تعرضت الكوفة بطعنات اعلامية في تاريخها . فهل نعتبر العشائر طيبة وصاحبة أخلاق وموقف، ولكن إذا سكنت الكوفة نعتبرها متلونة وانتهازية.؟؟ **الجواب:هذه التهم من تأليف الكتاب الامويين والعباسيين, لا بد ان نعرف كيف . استطاع الإعلام أن ينجح في ذلك .من الحقائق أنّ الجيش الذي أعدَّه ابن زياد لحرب الحسين (ع) لم يكن كله من أهل الكوفة ،كون اغلب قياداته من خارج الكوفة .ولكن الإعلام الأموي أوحى ذلك ،فكتب يقول(ليس فيهم شامي ولا حجازي)، أعطى صورة سيئة عن اهل العراق بقصد وعمد ؛ لان الولاء والتشيع كان في الكوفة بسبب حكم الامام علي (ع) فيها ولكن. لا زلنا نسمع إن أهل العراق هم الذين قتلوا الحسين{ع} .والغريب ان البعض صدقوا كذب الحزب الاموي وترسخت الفكرة في أذهانهم .
*** لهذه الحملة أهداف عديدة، منها: 1 ـ تبرئة بني أمية من تبعات قتل الحسين(ع)، والإيحاء بأن الذي قتله هم شيعة أبيه. وهذا راي ابن تيمية : قال إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولما بلغه خبر قتل الحسين{ع}اظهر البكاء في داره" .
** ردا على انه بكى . نقول انه فرح لما نكت رأس الامام بقضيب وترنم بابيات ابن الزبعري:
يا غرابَ البَينِ أَسمَعتَ فَقُل إِنَّما تَنطِقُ شَيئاً قَد فُعِل
إِنَّ لِلخَيرِ وَلِلشَّرِّ مَدىً وَكِلا ذَلِكَ وَجهٌ وَقبل
كُلُّ عَيشٍ وَنَعيمٍ زائِلٌ وَبَناتُ الدَهرِ يَلعَبنَ بِكُل
أَبلِغا حسّانَ عَنّى آيَةً فَقَريضُ الشِعرِ يِشفى ذا الغُلَل
كَم تَرى بِالجَرِّ مِن جُمجُمَةٍ وَأَكُفٍّ قَد أُتِرّت وَرِجِل
كَم قَتَلنا مِن كَريمٍ سَيدٍ ماجِدِ الحَدَّينِ مِقدامٌ بَطَل
صادِقِ النَجدَةِ قَرمٍ بارِعٍ غَيرِ مُلتاثٍ لَدى وَقعُ الأَسَل
لَيتَ أَشياخي بِبَدرٍ شَهِدوا جَزَعَ الحزرجِ مِن وَقعَ الأَسَل
فَقَتَلنا الضعفَ مِن أَشرافِهُم وَعَدَلنا مَيلَ بَدرٍ فَاِعتَدَل
لا أَلومُ النَفسَ إِلّا أَنَّنا لَو كَرَرنا لَفَعَلنا المُفتَعَل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل..
وموقفه حين اراد أن يهدي ابنة الحسين (ع) جارية إلى سفير الروم..؟؟.ثم طلبه للخطيب ان يشتم الامام علي وابناءه عليهم السلام..
2 ـ محاولة ابن زياد تعزيز موقعه في البلاط الأموي، ليظهر كقائد محنك لانه تمكّن من تغيير اتجاهات الكوفة من الولاء لآل البيت{ع} إلى بني أمية. وكأن عقليته فلتة من فلتات الزمن ولا يصلح غيره لهذا المنصب، ولكن ظهرت بطولاته بعد موت يزيد حين هرب من البصرة خوفا من أهلها واختفى في قربة ماء كبيرة علقت على بعير القرب. قصة هروبه واختفاءه من اهل البصرة معروفة.
اذن كيف نعرف حقيقة التاريخ في ثورة كربلاء الحسين {ع}.؟ اقول طريقة التأكد من صحة النصوص التاريخية هو عرض النص التاريخي على العقيدة. مراجعة نصوص اهل البيت {ع} والصحابة الموالين. مثال على ذلك. صحابة رسول الله {ص} الذين استشهدوا مع الحسين {ع} من اهل الكوفة ستة: أنس بن الحارث، وحبيب بن مظاهر وعبد الرحمن بن عبد ربه، وعمار الدالاني، ومسلم بن عوسجة. وهاني بن عروة. وولده يحيى بن هاني.
أمثلة أخرى. أفضل من طبق نظرية الفكرة والعقيدة على الواقع، هو الإمام علي {ع} حين قدم أبو سفيان رأيا أن يملا الأرض على أبي بكر خيلا ورجال.. رفض علي {ع} طلبه لأنه يعرف أهدافه، يريد الفتنة ليس حبا بعلي، {ثم الذين نصحوه في إبقاء معاوية في الحكم} أو إعطاء طلحة والزبير مناصب... هؤلاء ينظرون إلى الوضع سياسيا ويحسبون القضية انجازا وفوزا بالكرسي بينما يحسبها الإمام علي {ع} حسابا شرعيا وموقفا اخلاقيا هذا الاختلاف الثقافي في قراءة التاريخ له ميزة مهمة تحدد انتماء الفرد للدين او لجهة سياسية تعترض الدين. كذلك أهل الكوفة يجب أن نقرأهم وفق الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع}، ونقارن بين الأحاديث مع ما صوره الإعلام الأموي والعباسي بخصوص أهل الكوفة وما نشروه في حقهم. ** أهل الكوفة في الإعلام الأموي:روي إن الحجاج في (زمن عبد الملك بن مروان) خطب بالكوفيين بعد قتل عبد الرحمن بن الأشعث قال: "إنكم أهل بغي وشقاق ونفاق. طالما أرضعتم في الضلال وسننتم سنن البغي..يا أهل العراق أن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب والأعضاء والأطراف"!!! يعني بقوله انهم رضعوا من فكر علي {ع} لما كان يرتقي منبر الكوفة في زمانه يتحدث لهم بحقيقة الدين, يصف الحجاج عليا بالشيطان الذي أستبطنهم، القادة الامويون كانوا يعرفون حب علي {ع} عند اهل الكوفة .. ولذلك حاولوا بكل وسيلة نزع حب ال محمد {ص} من قلوبهم: روى أبن عبد البر في الاستيعاب قال: قال معاوية لضرار الضبابي: يا ضرار صف لي عليا، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه، قال: كان واللهِ بعيدَ المدى، شديدَ القِوى، يقول فصلاً ويحكم عدلا، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه، وتنطِقُ الحِكمَةُ من نواحيه، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه، وكان غزيرُ العَبرة، طويلُ الفكرة، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خَشُن. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله فقال معاوية : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذُبح ولدها في حجرها. قضية بكاء معاوية كذب ..هو تورط من كلام ضرار خوفا ان يعرف اهل الشام أن معاوية كان ظالما لعلي {ع} في حربه وتشويه سيرته. فخطط لتطويق النهضة التي أوجدها علي {ع} للقضاء عليها، ومعنى ذلك تصفية التشيع في العراق مهما تطلب الأمر من ثمن فكان الانتقام..
ثم جاء دور العباسيين: لم تختلف سياستهم عن الأمويين. بعد قتل إبراهيم ذو النفس الزكية، أمر المنصور أن يطاف برأسه في الكوفة ـ وخطب قائلا: "يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه. سبئية (أي أتباع عبد الله بن سبأ) خشبية: (الخشبي: هو الرافضي في عرف السلف). اعجب لبني أمية وصبرهم عليكم، كيف لم يقتلوا رجالكم ويسبوا نساءكم ويخربوا منازلكم. أما والله يا أهل المدرة (المدرة: ويعني بها تربة الحسين {ع} والله لئن بقيت لكم لاذلنّكم". هذا رأي العباسيين في شيعة اهل البيت {ع} فكيف لا يشوه تاريخ الشهيد مسلم بن عقيل وشيعة العراق.؟
*** أما قول أهل البيت (ع) كان علي {ع} يقول: "الكوفة كنز الإيمان، وحجة الإسلام وسيف الله يضعه حيث يشاء، والذي نفسي بيده لينتصرن الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما أنتصر بأهل الحجاز, يعني نصرة الإمام المهدي {عج}... عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: "إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة" يقول عبد الله بن الوليد :" دخلنا على الصادق {ع} فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه، فسألنا : من أنتم؟ قلنا :من الكوفة. فقال أما أنه ليس بلد من البلدان أكثر حبا لنا من أهل الكوفة. إن الله هداكم لأمر جهله الناس، أحببتمونا وأبغضنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، وأتبعتمونا وخالفنا الناس. فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا". ولا ننسى للكوفة مواقف مع علي {ع} وأهل بيته في معركة الجمل حين نصروا عليا {ع} في البصرة, لولاهم لسارت الأمور بشكل آخر بعد سيطرة الجماعة على البصرة دون قتال، ثم جاء اهل الكوفة وذي قار مع أمير المؤمنين{ع} قاتلوا وحرروا البصرة من أصحاب الجمل..
2- حين زحف معاوية بأوباش الشام نحو عاصمة الإمام ليسقط حكومة الحق والعدل، في صفين تصدى لهم أهل الكوفة دافعوا عن الإسلام المتمثل بأهل البيت {ع} وهذا له ضريبة واستحقاقات كبيرة دفعتها مدينة الكوفة.
3- قاتلت الكوفة الخوارج وخرجت الحرب ناجحين ظافرين. وارادوا قتال معاوية لكن القدر أسرع منهم حيث استشهد الإمام علي {ع} وتغيرت الأحوال.
4- وقفوا مع الإمام الحسن (ع} في كسر الطوق الإعلامي في السب والشتم الذي فرضه معاوية على الإمام (ع). فتحرك الشيعة ضد أهداف معاوية. ونشروا سيرة علي (ع) وأحاديث النبي (ص) فيه بين أهل الشام. وقدمت الكوفة ضحايا في هذا الطريق كعدي بن حاتم الطائي ورشيد الهجري وعمر بن الحمق الخزاعي وعشرات غيرهم. وشهد التاريخ إنهم الوحيدون كانوا على اتصال مع الحسين (ع) بعد استشهاد الحسن {ع} فمنعهم والي المدينة الوليد بن عقبة من الاتصال بأهل البيت. ثم منعهم من دخول المدينة. هذا يبين موقف السلطة الأموية من شخصيات الكوفة. لعل الإنسان يتساءل: إذاً من قتل الحسين (ع)؟ أليس أهل الكوفة الذين دعوه لينقذهم ويقيم فيهم حكومة العدل كابيه {ع}؟! أليس هم الذين قيل عنهم "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"؟!. الجواب: لم يكن جميع أهل الكوفة موالين لعلي وأهل بيته(ع)، فقد جرى تخطيط لتغيير ديموغرافي واعلامي على ولاء أهل الكوفة إضافة للخوارج وهناك متلونين لهم هوى ببني أمية، لان عدل علي {ع} " ما أبقى له من صديق ".لذلك بذل معاوية جهدا لتغيير الولاء الشيعي في الكوفة وتحويله إلى بني أمية. لا شك أنه أمر عسير جدا.. فاتخذ وسائل إجرامية عديدة ..منها
حل الجيش والشرطة، لإن النسبة الغالبة منهم شيعة لعلي (ع). استخدم سياسة لعن الإمام {ع} والبراءة منه. فمن يرفض لعنه كان يطرد ويمحى من ديوان العطاء. ثم تأتي المرحلة التالية بتصفيتهم بالقتل ,كان هذا الأسلوب الذي أستخدمه لتصفية الشيعة، لعشرين سنة. حتى المعتدلين من كان متهما بحب عليا في السر. كان يعامل بوحشية من السلطة.. وتم تصفية الوجوه البارزة في المجتمع أمثال حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي ورشيد الهجري وعمار، وخزيمة، ومحمد بن أبي بكر، والأشتر، وأويس القرني، وابن صوحان، وابن التيهان وأبي حسان، وغيرهم من التابعين. وحل بهم البلاء حين عين واليا عليهم زياد بن أبيه الذي غير نسبه السكان (في قصة معروفة) حين قام بتسفير خمسين الفا من شيعة امير المؤمنين [ع] الى قم.. وكانت استراتيجية القيادة الاموية هي افراغ الكوفة من القاعدة الموالية لامير المؤمنين{ع} .