البحث المتقدم

البحث المتقدم

معارف فاطمية -٥- (قراءة اجتماعية في خطبة السيدة الزهراء "عليها السلام" تتمة)

0 تقييم المقال

بعد أنْ تم بيان القراءة الاجتماعية لخطبة الزهراء "عليها السلام" إجمالًا في أحد مقاطعها المتعلقة ببر الوالدين، ومعرفة ما يتعلق بهذا الحق في بناء الأسرة، ننتقل في هذه الحلقة إلى بيان قراءة أخرى تتعلق ببناء المجتمع وحاجة  الأمة إلى ذلك البناء.
 قالت "عليها السلام": 
١- (فجعل .. وَصِلَةَ الأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِيْ العُمُرِ، وَمَنْمَاةً فِيْ العَدَدِ). 
       إنَّ التأكيد على أهمية التواصل مع الأرحام يعدُّ من أهم مناهج النظام الإسلامي في تربية الفرد والأمة؛ لما في ذلك من آثار طيبة في التعامل مع الآخرين، وهو تذكرة لما ورد في القرآن الكريم من حث على هذه الفضيلة القائمة على صلة الأرحام، إذ قال تعالى في بيان موارد طاعته المختلفة: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)) [النساء: ١] حيث جعل مقام الأرحام من المقامات العظيمة لموارد تقوى المؤمنين في التمسك بتعاليم الشريعة المقدسة، وفيه ما لا يخفى من أهمية في البناء المادي والمعني معًا، وقد جعل الله تعالى هذه المنقبة من صفات أولي الألباب فقال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ)) [الرعد: ٢١].
فالسيدة الزهراء "عليها السلام" ربيبة القرآن الكريم تؤكد ذلك المنهج، وتدعو الأمة للحفاظ على تلك الروابط التي جعل الله فيها سرًّا عظيمًا من أسرار الخليقة، وهي بذلك تبيِّن:
١-  ضرورة الالتفات إلى صلة الأرحام وعظمة التأكيد عليها في الشريعة المقدسة، من خلال الحث على صلتها ولو بالسلام، وتحريم قطيعتها حيث أنه من الذنوب الكبائر، وفيه بيان واضح إلى التمسك بها من قبل المؤمنين خاصة.
٢-  بيان آثار هذه الفضيلة المتعلقة بصلة الأرحام، حيث الآثار المادية والمعنوية المباركة، إذ أنها من أسباب الزيادة في عمر الإنسان، وأنها سبيل للكثرة والقوة في الرجال، وكلاهما أمران عظيمان للفرد والأمة. 
 
٢- (فجعلَ .. وَاجْتِنَابَ القَذْفِ حِجَابًا عَنِ اللعنَةِ). 
       إنَّ تحذير السيدة الزهراء "عليها السلام" من ارتكاب بعض المحرمات التي لها أثر كبير في هدم المجتمع، وقطع العلاقات الوثيقة بينه إنما هو دلالة على مقامها التربوي في بناء الفرد والمجتمع، وحرصها على أنْ يكون المجتمع الإسلامي متماسكًا في الفضائل، مجتنبًا للرذائل، ومنها هذه الرذيلة الكبيرة آثارها (القذف)، وقد حذَّر الله تعالى من ذلك في سورة النور بموارد متعددة ومنها قوله: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ -إلى قوله- وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ)) [النور: ٤-٧]، فإنَّ هذا كله تأكيد منها "عليها السلام" على:
١-  وجوب تهذيب النفس والابتعاد على هتك أعراض الناس بتهمة باطلة تؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية سلبية كبيرة، بل قد تؤدي إلى تدمير المجتمع بالقتل والانتقام والعداوة وغيرها.
٢-  وجوب معرفة المحرمات في الشريعة الإسلامية المقدسة وعدم ارتكابها، أو الاقتراب منها، وخصوصًا التي لها علاقة بأعراض المؤمنين، وما في ذلك من آثار كبيرة حيث اللعنة من الله تعالى.
٣-  ضرورة تذكير المؤمنين أهمية عدم التسرُّع في إطلاق الأحكام على الناس بجريمة معينة، أو شياعها بين الناس، فذلك مما لا حق له فيه، وآثارها غير محمودة سواء كانت صدقًا أو كذبًا، فالصدق قد يكون غيبة، والكذب قد يكون بهتانًا، وكلاهما من الذنوب الكبيرة المحرمة. 
إنَّ هذا الذنب، بل هذه الجريمة التي التي يقوم بها بعض الناس الذين لا يخشون الله، بل للأسف قد يقوم بها بعض الأزواج للانتقام والإيذاء لها أكبر الأثر في تدمير المجتمع، وعلينا الحذر التام من ذلك.

 ختامًا . 
إنَّ تأكيد السيدة الزهراء "عليها السلام" على فضيلة (صلة الأرحام) وما في ذلك من آثار اجتماعية عظيمة ومباركة، وكذلك تحذيرها من رذيلة قبيحة (القذف) وما فيها من هدم للنفس والأسرة والمجتمع، إنما هي دعوة فاطمية عظيمة إلى بناء مجتمع صالح واعٍ متماسك بالأخلاق والفضيلة. والسلام 

 خادم الثقلين
الأربعاء ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٧هج

نعم
هل اعجبك المقال