البحث المتقدم

البحث المتقدم

معارف فاطمية -٣- قراءة تربوية في خطبة السيدة الزهراء

0 تقييم المقال

 بعد أنْ تم بيان القراءة المعرفية والاجتماعية لخطبة الزهراء عليها السلام إجمالًا في أحد مقاطعها، ننتقل إلى قراءة أخرى تتعلق بالجوانب التربوية التي تضمَّنتها تلك الخطبة المباركة وآثارها التربوية على الفرد والمجتمع، وأثر تعاليم الشريعة الإسلامية المقدسة المتعددة في ذلك، ويمكن بيان ذلك في الفقرات الآتية من قولها "عليها السلام":
 -أولًا: (فجعل .. الصلاة تنزيهًا لكم عن الكِبر). 
إنَّ بيانها لبعض الآثار العظيمة للصلاة وعلاقتها بتهذيب النفس عن رذيلة (الكِبر) هو تأكيد للمنهج القرآني القائم على التربية وبناء الشخصية الإسلامية، فالقرآن الكريم قد أكد في آياته المباركة آثار الصلاة في التربية، فقال تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)) [العنكبوت: ٤٥]، فالصلاة لها أثر في تهذيب النفس عن الرذائل المختلفة، ومنها حالة (الكِبر) التي قد تجعل الإنسان يتمرَّد على مولاه، ولا يسلِّم إليه في طاعته، فالعبد الحقيقي يجب عليه أنْ يكون ممتثلًا لتعاليم الشريعة في أوامره ونواهيه، ويكون صادقًا في صلاته عند قوله (إياك نعبد) حيث حصر العبادة فيه تعالى (إياك)، فالزهراء "عليها السلام" تؤكد أنَّ إقامة الصلاة إنما هو في أداء رسالتها بالنهي عن الفحشاء والمنكر، و(الكِبر) هو إحدى الرذائل التي كان عليها الشيطان في اعتراضه عن العبودية لله تعالى، فالكِبر له آثار سيئة على النفس والفرد، وله آثار سلبية في المجتمع من خلال العلاقات القائمة على التكبُّر والانتقاص من الآخرين، بقول أو فعل أو نظرة، وكل ذلك مخالف لمنهج التربية الإسلامية في بناء المجتمع على المحبة والتعاون والإيثار، والكِبر سبب رئيس لهدم كل هذه الأسس والمبادئ والأخلاق.
 ويمكن ملاحظة الآتي في هذه المفردة التربوية: 
١- هناك علاقة وثيقة بين الإيمان والتربية، أي بين العقيدة والأخلاق، ولا ينفك ذلك بينهما، وهذا ما تؤكده الآيات والروايات المتعددة، ومنها قول النبي "محمد صلى الله عليه وآله وسلم": (أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنهم أخلاقًا).
٢- إنَّ الصلاة التي هي عمود الدين كما في الروايات يجب أنْ تظهر آثارها التربوية في سلوك المصلين، بالتمسك بفضائل الأخلاق ومنها التواضع والإذعان لله تعالى، والتخلِّي عن رذائل الأخلاق ومنها التكبر والاعتراض على الله تعالى.
٣- ضرورة ارتقاء المؤمن في منهج المعرفة الإلهية، فالصلاة الحقيقية قائمة على إقامتها، وليس على أدائها فقط، فهناك فرق بين الأداء والإقامة، وتعاليم الشريعة المقدسة تدعو إلى الإقامة.
٤- إنَّ للصلاة مسؤولية كبيرة على صاحبها، حيث الاختبار من قبل الله تعالى له في بيان مصداق الثناء عليه (الحمد لله رب العالمين)، وفي مصداقية عبوديته له (إياك نعبد)، وفي مصداق دعائه في الهداية (اهدنا الصراط المستقيم)، وفي صدق ولائه لله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم)، وصدق براءته من أعداء الله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، وهذا يظهر كله في تعامله بعد أداء الصلاة.
٥- إنَّ التأكيد على هذه الفريضة يدعو إلى التأمل ومراجعة النفس بحقيقتها، وآثارها، والاعتناء بها، بما يليق بمقامها، ومدى التأكيد عليها، فهي أعظم دعوة النبي محمد وجدِّه إبراهيم "عليهما السلام"، وهي أولى وصايا الله لنبيه عيسى "عليه السلام"، بل هي منهج الاستقامة والصلاح من الجزع والمنع ((إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ)) [المعارج: الآيات ١٩-٢٢].
 أخيرًا .. 
 إنَّ هذه الدعوة الفاطمية المباركة هي تذكرة للمؤمنين بهذه الفريضة المباركة (الصلاة) وآثارها التربوية الإصلاحية، والعمل على التمسك بتلك الآثار ونشرها في المجتمع من خلال إقامة الصلاة كما أرادها الله تعالى. والسلام  
وللحديث تتمة عن الآثار التربوية في الخطبة الفاطمية

خادم الثقلين 
الأحد ١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧هج 

نعم
هل اعجبك المقال