ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه الخفي
قبل يومين عاش العراق يوماً استثنائياً حمل في طياته مشهداً ديمقراطياً يليق بتاريخ هذا الشعب العريق. فقد جرت الانتخابات البرلمانية الجديدة بمشاركة واسعة، تجاوز فيها عدد المرشحين 8000، جميعهم يتنافسون على 325 مقعداً في مجلس النواب العراقي.
ورغم أن نسبة المشاركة بلغت حوالي 55%، وهي نسبة قد تبدو منخفضة للبعض، إلا أن ما ميّز هذه الانتخابات هو الهدوء والنزاهة والشفافية التي جرت في ظلها، حتى أن المراقبين الإقليميين والدوليين بل وحتى من كان يشكك في التجربة العراقية – أقرّوا بأنها كانت من أنجح الانتخابات وأكثرها تنظيماً في تاريخ البلاد الحديث.
كان المشهد أشبه بـ عرس وطني كبير؛ رجال ونساء، شيوخ وشباب، خرجوا ليعبّروا عن إرادتهم ويمنحوا أصواتهم لمن يرونه جديراً بثقتهم، في صورة جسّدت روح الديمقراطية الحقيقية التي دفع العراقيون ثمناً باهظاً للوصول إليها.
ولم تقتصر البطولة على الناخبين فحسب، بل كان لـ القوات الأمنية العراقية دور وطني مشرف، إذ وفرت الحماية للمراكز الانتخابية وسهّلت العملية بكل انضباط ومهنية، مقدّمةً نموذجاً إنسانياً وتربوياً للعالم في كيفية حماية الديمقراطية دون المساس بحقوق المواطنين أو حريتهم في الاختيار.
لقد أثبت العراقيون مجدداً أنهم شعب يستحق الاحترام، وأن الديمقراطية ليست شعاراً أجوف بل ممارسة حقيقية نابعة من الوعي والإصرار على بناء وطن يسوده القانون والمؤسسات.
وهنا نقول:
ألف تحية لكل مواطن أدلى بصوته وألف تحية لكل امرأة أسهمت في هذا العرس الديمقراطي وألف تحية لكل شاب آمن أن التغيير يبدأ من صندوق الاقتراع.
اليوم، على الدول العربية أن تتأمل التجربة العراقية وأن تتعلّم منها معنى الديمقراطية الحقيقية، تلك التي تُصنع بالإرادة الشعبية، لا بالقرارات الفوقية ولا بالوعود الزائفة.
فمن بغداد إلى البصرة، ومن الموصل إلى الناصرية، ارتفعت راية العراق عالية لتقول للعالم:
هنا تولد الديمقراطية من رحم المعاناة، وهنا يكتب العراقيون درساً جديداً في الحرية.




تقييم المقال

