ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه الخفي
أولاً: أثر المقاطعة في تحريك الوعي الشيعي
إنّ قرار المقاطعة الذي خاضه التيار الصدري شكّل عاملًا مؤثرًا في المساحة الشيعية، إذ منح قوى المكوّن السني حافزًا لاقتحام الساحة الانتخابية في مناطق الوسط والجنوب، عبر استنهاض جمهورهم بشعارات طائفية تستهدف الحشد الشعبي والهوية المذهبية, والتي جاءت هذه التعبئة امتدادًا لخطابٍ موروث من بقايا الفكر البعثي وتنظيم القاعدة، متأثرين بظاهرة تجارب الحركات المتطرفة في الجوار كـ«داعش» و«جبهة النصرة».
لكن هذه المحاولة انقلبت عليهم سلبًا، لأنهم لم يُدركوا طبيعة الذاكرة الجمعية لأبناء الجنوب والوسط، فالمجتمع الشيعي – مهما بلغ تذمّره من أداء ساسته – تتحرك فيه الغيرة العقائدية عند المساس بثوابته: العقيدة، والشعائر، والمرجعية الدينية, وقد أيقظ ذلك الشعور الجمعي بالخطر، ودفع كثيرين إلى المشاركة الواسعة دفاعًا عن هذه الثوابت.
ثانياً: تراجع الحرب الإعلامية ضد الرموز الشيعية
شهدت المرحلة السابقة للانتخابات -مرحلة تشرين والكاظمي- توقفاً نسبياً في نشاط الماكينات الإعلامية المدعومة من السفارات الغربية والخليجية، التي كانت تستهدف رموز الجهاد والمقاومة، وتحاول طمس صورتهم الاجتماعية والسياسية, وهذا التراجع الإعلامي – سواء كان مقصودًا أو اضطرارياً – خلق فرصة لإعادة بريق بعض الرموز الدينية والمجاهدين في الوعي الشعبي، في مقابل محاولات ضعيفة لزرع بدائل «مدنية» جديدة تحت غطاء «التنمية» و«التحديث».
مثال: يلاحظ أن بعض القنوات والمدونين السُّنة انشغلوا عن مهاجمة رئيس الوزراء أو الرموز الشيعية، في محاولة لإضفاء مظهر غير ديني على المشهد العام، إلا أن هذه المحاولة لم تلقَ صدى في المجتمع المحافظ.
ثالثاً: إصلاحات المفوضية وتحسين بيئة الاقتراع
ساهمت الإجراءات الفنية والإدارية الجديدة في زيادة ثقة الناخبين بالعملية الانتخابية، ومن أبرزها:
1. معالجة مشكلة تخطي بصمة الإبهام لمرضى السكّري باعتماد تقنية بصمة الوجه كبديل, التي كانت ثغرة, ممكن من خلالها تمرير كثير من بطاقات الناخبين.
2. إجراء العدّ اليدوي بالتوازي مع العدّ الإلكتروني لتقليل الشكوك حول التزوير, وتأجيل اعلان نتائج الانتخابات.
3. استبدال موظفي المفوضية في مراكز الاقتراع بآخرين جدد لضمان الحياد.
4. معالجة إشكاليات الوصول إلى بعض المراكز التي كانت تعاني من منعٍ أو تضييق بسبب صراعات حزبية أو عشائرية أو مذهبية.
هذه الخطوات رفعت مستوى الاطمئنان الشعبي وشجعت الفئات المترددة على المشاركة.
رابعاً: اتساع قاعدة المرشحين وتحفيز الطبقات العازفة
بلغ عدد المرشحين في انتخابات 2025 قرابة ثمانية آلاف مرشح، وهو رقم غير مسبوق.
هذا الاتساع أتاح تنوّعاً في الخيارات واقتراباً من شرائح كانت تعزف عن المشاركة منذ عام 2003، خصوصاً الفئات التي لم تشارك حتى في استفتاء الدستور عام 2005، بدعوى عدم جدوى التغيير.
لقد ساهم تنوّع المرشحين المحليين والمستقلين في إفاقة الفئة النائمة وتحريك الطبقة اللامبالية، عبر حملات تواصل مباشرة أكثر قرباً من الناس.
خامساً: الدور الناعم للمرجعية الدينية العليا والحوزة العلمية
كان للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، وللحوزة العلمية، دورٌ محوريّ وهادئ في استنهاض الوعي وتحريك المسؤولية الدينية والوطنية تجاه المشاركة, فمن خلال خطاباتها التوعوية وندوات التنمية الفكرية، أعادت ترسيخ مفهوم المسؤولية في إدارة الدولة، وربطت بين المشاركة السياسية وبين حفظ الكيان الديني والاجتماعي للبلاد, وقد أسهم هذا الخطاب الهادئ والعميق في رفع منسوب الوعي الجمعي، وتعزيز الشعور بالواجب الشرعي والمدني، ما انعكس مباشرة في نسبة الإقبال، وفي القفزة الملحوظة بعدد مقاعد القوى الشيعية.
ختاما فشلت خطوات الشيطان وحلفاؤه, في كسر ارادة العقيدة, وثبتت قوى الممانعة والمقاومة الاسلامية, درعا للمستضعفين في غرب اسيا والعالم.




تقييم المقال

