ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه الخفي
بعد أنْ تم بيان القراءة التربوية في الجزء الأول من خطبة الزهراء "عليها السلام" إجمالًا فيما يتعلق بالصلاة، ننتقل إلى قراءة الجزء الثاني من هذه القراءة وآثارها التربوية على الفرد والمجتمع، وأهمية تعاليم الشريعة الإسلامية المقدسة:
- ثانيًا: (فجعل .. وَتَرْكَ السَّرِقَةِ إِيْجَابًا لِلْعِفَّةِ).
إنَّ بيانها "عليها السلام" في خطبتها المباركة لبعض الآثار العظيمة للتنزُّه عن السرقة وعلاقتها بتهذيب النفس عن رذيلة (الخيانة) هي دعوة صريحة في تربية النفس تربيةً تليق بتكريم الله تعالى للإنسان، وتحافظ على نور فطرته من التلوث، وعلى سلوكه من الانحراف.
إنَّ هذه المفردة من مفردات الرذائل (السرقة) لها آثارً سيئة كبيرة على الفرد والمجتمع، ودعوة السيدة الزهراء "عليها السلام" موافقة لدعوة القرآن الكريم في ثورته الإصلاحية التربوية للإنسان عامة، وللمؤمنين خاصة، إذ قال تعالى في التحذير من جريمة (السرقة) وما فيها من فساد للفرد والأمة وبيانه عقوبة ذلك؛ طهارة من تلك الخيانة: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة: ٣٨]، وما ورد تأكيده تعالى على موارد (العفة) المختلفة لأجل تثبيت هذا المفردة من مفردات المنهج التربوي الإسلامي في تفكير الفرد والأمة وسلوكهما قال تعالى: ((وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)) [النساء: ٦]، وقال تعالى: ((يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)) [البقرة: ٢٧٣]، وغير ذلك من مصطلحات الفضيلة المتعددة.
وفي كلمة الزهراء "عليها السلام" التربوية الرائعة التي تؤكد ذلك المنهج للنظام الإسلامي رؤًى تربوية تحاول بيانها للأمة بإيجاز، فهي تأكد على أمور منها:
١- ضرورة الرجوع إلى الفطرة الإنسانية والتأمل بأنوارها، وجعلها سبيلًا في الحفاظ على طهارة النفس، وعدم إطفاء نورها بظلمات المعصية، أو التفكير بها، فالفطرة الإنسانية تأبى الخيانة والسرقة، والعقل الإنساني يرفض ذلك.
٢-بيانها مدى موافقة تعاليم الشريعة الإسلامية المقدسة للعقل البشري المنزَّه عن الانحراف في منهج السلوك القويم، فالعاقل لا يمكن أنْ يكون خائنًا لنفسه أو للآخرين؛ لما في ذلك من محاسبة وشعور بمخالفته مبادئ الأخلاق السامية، فالعقلاء ينبذون الإنسان الخائن، ويحترمون الأمين ويتخذونه أسوة، فكانت تعاليم الشريعة مؤيدة لذلك، وهذا يؤكد عالمية القرآن الكريم والنظام الإسلامي.
٣- إنَّ تهذيب النفس عن السرقة إنما تهذيبها عن كل خيانة سلوكية من جهة، وعن معصية الله تعالى وخيانته، وهذه تذكرة بضرورة مراقبة النفس دائمًا في جميع تصرفاتها؛ خشية السرقة والخيانة المادية أو المعنوية، وفي ذلك كمال التربية والصلاح، وعلينا تربية الجيل على ذلك، وتحذير الأمة منه، فالسرقة لا تقتصر على المال فقط، بل على أمور أخرى، فعدم الالتزام بالعهد أو العقد مع الآخرين في عمل معين، أو أداء حقوق الله تعالى، أو حقوق الزوجة والأولاد والوالدين وغيرهم هي سرقة، وهناك روايات تؤكد ذلك.
٤- إنَّ العفة مفردة محبَّبة للنفس الإنسانية، وتكرارها تذكير للنفس بفطرتها الإلهية، واستعمالها في الكلام تأكيد على ضرورة منهجها، والعمل بها تكريم للإنسان في هذه الدنيا، وكرامة له في الآخرة، وعلينا أنْ نكون أهلًا للعفة ظاهرًا وباطنًا، ماديًّا ومعنويًّا، ومن العاملين على ترسيخها في تربية أنفسنا وأبنائنا والمجتمع بأعمالنا لا بأقوالنا، وبسلوكنا لا بكلماتنا، وهذا يحتاج إلى وعي لمقامها وآثارها النفسية والتربوية.
٥- إنَّ العلاقة بين نزاهة الإنسان عن السرقة وتاج العفة، إنما علاقة وثيقة نحو التربية الفردية والمجتمعية، والصلاح والإصلاح، وعدم التفريط بهذه الآثار العظيمة التي تجعل الإنسان (مَلَكًا) من الملائكة، وكالمجاهد الشهيد في سبيل الله كما ورد عن الإمام علي "عليه السلام"، فهي دعوة للانتقال إلى مرحلة الملائكة بل أفضل.
أخيرًا ..
إنَّ هذه الدعوة الفاطمية المباركة هي تذكرة للمؤمنين بهذه الفضيلة العظيمة (العفة) وآثارها التربوية الإصلاحية، والعمل على التمسك بتلك الآثار ونشرها في المجتمع، وتحذير من تلك الرذيلة الكبيرة (السرقة) والعمل على التحذير من التفكير بها وتنزيه النفس عنها. والسلام
خادم الثقلين
الثلاثاء ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٧هج




تقييم المقال

