التدخين
تحدّثنا في المقال السابق عن مسألة إغلاق باب السيارة من قِبل الراكبين فيها من عدمه، وبينا كيف أن مثل هذه الحالة هي من الأشياء القبيحة؛ إذ لا تمت للأخلاق وللتربية بصلة، وإنما هي واجب على كل مواطن.
وهذا هو المقال الثاني الذي يعد ملحوظة من الملاحظ التي سجلتها عبر تنقلي في سيارات الأجرة بشكل دائم ومستمر ويومي، فالملحوظة تتحدث عن راكبي السيارات (العبرية) الذين يدخنون في داخلها.
نحن نعرف أن جلّ المجتمع العراقي يتعاطى السكائر والأركيلة و(الفيب) بمعنى أنه يتعاطى الدخان بشكل كثير جدًّا حتى وصل الأمر إلى المراهقين منه، وهو الأمر الذي يؤلم في الحقيقة؛ لأنك عندما تمشي في الشارع وتجد كمًّا هائلاً من البشر يتعاطون التدخين بشكل مفرط، قد لا يؤلمك منظر الرجل الكبير أو المتوسط العمر وهو يدخن كونك اعتدت على رؤية ذلك، أما أنك ترى أطفالاً وشبابًا في سنّ المراهقة وهم يتعاطون التدخين فهذا شيء محزن، لأنك ستقول في داخلك من دون وعي (وين أهلهم عنهم) بمعنى أين المراقبة لهم؟ أنا لست بصدد ظاهرة التدخين بشكل عام في هذا المقال، إنما أنا بصدد القول عن ظاهرة التدخين داخل سيارات النقل الجماعي (العبرية) فمن الأشياء المزعجة جدًا والتي لا سبيل إلى منعها إلا بالقوة في واقع الأمر؛ لأن المجتمع الآن لا يمكن إصلاحه إلّا بالقوة- وهذه حقيقة لا غبار عليها- أما أنك تقوم بإصلاحه بما أمر الإسلام –أي بالتي هي أحسن- فهذه لا تجدي نفعًا في مجتمع معاق نفسيًا وعقليًا.
عودًا على بدء فالتدخين داخل السيارات من الأشياء التي أصادفها بكثرة أمامي، فكثير من المواطنين ما إن يجلس على المقعد حتى سحب علبة السكائر وبدأ يدخن في داخل السيارة، غير آبه بمن يجلس بجانبه أو بالموجودين معه داخل السيارة وهو بذلك يحسب نفسه يمارس حريته الطبيعية وهو غير واعٍ إلى أنه يضر بحرية الباقين، فهو لا يقدّر أنّ هناك مَن هم مصابون (بالربو) وهناك من ينزعج من رائحة السكائر ودخانها، فضلاً عن أن السيارة هي صغيرة الحجم وقد تكون مغلقة لا سيما في فصل الشتاء.
ما يثير دهشتي أكثر من أنّ سائقي السيارات لا ينوّهون على ذلك بمعنى أنهم لا يمنعون المدخّن كأن يقولوا له: (بلا زحمة طفي جكارتك) بل على العكس يلتزمون الصمت وكأن شيئًا لم يحدث، والسؤال هنا لماذا لا يأخذ السائق دوره في ذلك فالسيارة سيارته وبإمكانه أن يمنع من يخل، فماذا سيخسر إذا قال لمن يدخن (بلا زحمة طفي جكارتك) وبطريقة مهذبة.
ربما يقول أحدهم لا تحمل السائق أكثر من طاقته فلربما لن يركب معه أحد وبذلك سيخسر زبائنه نتيجة ذلك الطلب لأن الغالبية ممن يدخنون داخل السيارة، وأنا أقول لا بأس بالتجربة لأكثر من مرة فهذه هي ثقافة وبالتالي الذي يدخن سيعتاد على ألّا يدخن داخل السيارة مرة أخرى.
رب قائل يقول كيف يمنع السائق المدخنين وهو يدخن أيضا؟ وهذا كلام صحيح ولكن من الممكن نصحه في ذلك بأنك إذا ركبت سيارتك لا تدخن في داخلها حتى لا تعطي الفرصة للآخرين بالتدخين فإنك إن منعتهم قالوا لك (أنت هم تدخن).
خلاصة القول أن مسألة التدخين داخل السيارة هي مسألة ليست حضارية ولا تمت للحرية بشيء لأن الحرية الفردية تتوقف عند حرية الآخرين، وحتى لو كان لك ذلك الحق فهناك شيء اسمه احترام الآخر.
نحن بحاجة إلى ثقافة الوعي أكثر من الخبز، فمن لا يملك الخبز أهون ممن لا يملك الوعي والتربية.