*لقد ضعف فهم مَنِ اعتقد أنَّ القرآن الكريم كتاب تاريخ للأمم الماضية من أنبياء ومصلحين وأخيار وأشرار وو إلخ.
*وقد ضعف فهم مَنِ اعتقد أنه كتاب فقه وأحكام شرعية للعبادات المعهودة من حلال وحرام .. إلخ.
*وقد ضعف فهم مَنِ اعتقد أنه كتاب بيان لأحكام المعاملات من بيع وشراء وإيجار وزواج وطلاق .. إلخ.
*وقد ضعف فهم مَنِ اعتقد أنه كتاب أدب وبلاغة ونحو وصرف ومعانٍ وبيانٍ وو إلخ.
*وقد ضعف فهم مَنِ اعتقد أنه كتاب سياسة واقتصاد وفلك وو إلخ.
وقد .. وقد .. وقد
وإنما هو كتاب (هداية للبشرية كلها) لحفظ كرامة الإنسان وتكريمه، فهذه الحقيقة التي لا بد أنْ نعرفها، ونعرِّف بها، ونذعن إليها، وندعو لإذعان المؤمنين بالله بها .. وإلَّا كان حالنا مثل حال السابقين، بل غير ذلك في تعطيل كتاب الله؟!!
وهذه الحقيقية هي (قاعدة قرآنية) أسَّسها الله تعالى، وقرَّرها الله تعالى، ورعاها الله تعالى لعباده المنتمين إليه حقيقة، فقال تعالى معلنًا إياها: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)).
لقد أسس القرآن الكريم قاعدة (العلم والاختبار والكفاءة) في الاختيار والتمييز بين الآخرين، وبيَّن أسس اختيار المناصب في أول اختبار إلهي في الوجود، فعندما اعترضت (الملائكة) على (أمر الله تعالى) في تعيين منصب (الخلافة) إلى نبيه (آدم)، فقالوا لله تعالى في بيان كفاءاتهم وما يتميَّزون به من صفات تجعلهم مؤهَّلين لذلك (المنصب) من دون غيرهم؛ لأنهم كانوا يعرفون أنَّ الاختيار لا يكون اعتباطًا، وإنما على وفق أسس معينة: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
فكان الجواب الإلهي بكل وضوح وإنصاف في بيان الأسس الحقيقية القائمة على (العلم والكفاءة) مع احترامه لشهادتهم (العبادية والعلمية) ولكنها غير كافية، فكان الجواب الإلهي العظيم هو الدعوة إلى (الاختبار) لتمييز المستحق من غيره بكل وضوح لا خفاء ولا سرية ولا معاقدات، وليس الرد التعسُّفي عليهم، أو الدكتاتورية في (الحاكم)، وإنما على وفق (الدعوة الحسنى) في (الاختيار والاختبار).
فبدأ الاختيار ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)).
ثم بدأ الاختبار ((وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)).
ثم أعلنت نتيجة (الاختيار والاختبار) ((قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)).
فهذه أسس الله لمن يبحث عنها؟!!
ختامًا ..
أذكر لكم مثالين كُلُّ منهما (عكس) الآخر في بيان (القواعد القرآنية) في اختيار (المناصب) على وفق أسس الله تعالى، وليس على وفق (هدايا واستحواذ).
١- مثال الإيجابية في بيان (حسن الاختيار) للمناصب.
قال تعالى على لسان (امرأة) كانت تربيتها في بيت الشريعة المقدسة، وهي بنت نبي الله شعيب: ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)). حيث جعلت (القوة والأمانة) الأساس في ذلك.
٢- مثال السلبية والفوضى في بيان (سوء الاختيار) للمناصب.
قال تعالى على لسان (مستشاري المنصب الدنيوي) -أو كما يقال مستشاري الصدفة- الذين تم اختيارهم لأرفع (المناصب).
ففي قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) عندما رأى الملك رؤياه التي لها علاقة خطيرة بأمور (الوطن والدولة) قالوا له حفظًا لمنصبهم: ((قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)).
فهل كانت فعلًا أضغاث أحلام؟!!
وقال تعالى على (لسان المستشارين) السابقين أنفسهم ففي قصة نبي الله سليمان (عليه السلام) وملكة سبأ عندما جاءتها رسالة لها علاقة بأمور حطيرة تتعلق ب (الوطن والدولة) قالوا لها حفظًا لمنصبهم: ((قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ)).
فهل كانوا فعلًا أولي قوة وبأس شديد؟!!
أخيرًا ..
هذه قواعد الله في هداية البشر، ومَنْ يخالفها فليتحمَّل آثار ذلك ..
(اسمعوها منِّي -عفوًا- فلا أظن تسمعونها من غيري، فإنها حقيقة من الله وليست منِّي) .. والسلام