البحث المتقدم

البحث المتقدم

 هل عدم الصبر على البلاء اعتراض على الله؟

0 تقييم المقال

 

في عالمٍ يضجّ بالتحديات والضغوط المعيشية، تتردد على ألسنة الكثيرين أسئلة تُلامس وجدان الإنسان:
هل عدم صبري على ضيقي المادي والمعيشي بعد سنواتٍ من المعاناة يُعدّ اعتراضًا على قضاء الله؟ أم أنّه مجرّد ضعفٍ إنساني طبيعي؟ وكيف يمكنني معالجة ذلك في ضوء القرآن الكريم والعترة الطاهرة؟

 أولًا: من الناحية الإنسانية والنفسية

من الطبيعي أن يتعب الإنسان بعد طول ابتلاءٍ وضيق، فالضغوط المستمرة تستهلك من الجسد والنفس. غير أنّ الله تعالى لا يلوم على الإحساس بالتعب، بل يبتلي الإنسان ليختبر طريقة تعامله مع البلاء، لا مجرد تحمّله له.

النفس البشرية تميل بطبيعتها إلى الفرج السريع واستجابة الدعاء العاجلة، ولكن المؤمن يُربّي نفسه على أن الضيق طريق الفرج، وأنّ الشدّة لا تدوم، وأنّ وراء كل بلاءٍ حكمةً خفيةً لا يدركها إلا من تأملها ببصيرةٍ صابرة.

وقد أشار دعاء الافتتاح إلى هذا المعنى العميق:

> (فَإنْ أبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذي أبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الأمور)

فالإنسان، لقصور علمه، قد يعاتب ربّه كما يعاتب الطفل والديه، بينما التأخير الإلهي في الاستجابة ليس حرمانًا، بل رعايةٌ بحكمةٍ خفيّة يعلمها الله وحده.

 ثانيًا: في ضوء القرآن الكريم

القرآن الكريم لا ينكر التعب ولا يلغيه، بل يوجّهه نحو معنى أعمق من الألم. يقول تعالى:

> ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6]

أي أن كل عسرٍ في حياة المؤمن يحمل في طيّاته بذرة اليسر ونور الفرج، غير أن اكتشافها يحتاج إلى صبرٍ وثقةٍ بالله.

ويؤكد القرآن أن الدنيا دار امتحان وابتلاء:

> ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]

ثم يربط بين التقوى والصبر والفرج:

> ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3]

وهؤلاء الذين يُبدّلون المصيبة طمأنينةً والضيق يقينًا هم من قال عنهم سبحانه:

> ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 156]

 ثالثًا: توجيهات العترة الطاهرة

لقد جسّدت أحاديث النبي وأهل بيته (عليهم السلام) أسمى صور التعامل مع البلاء:

قال النبي الأكرم ﷺ:

> «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له.»

وقال أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله ﷺ:

> «الصبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية...»
(بحار الأنوار، ج٧٩، ص١٤١)

كما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله:

> «من رضي من الله بالقليل من الرزق، رضي الله منه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة.»
(بحار الأنوار، ج٧٩، ص٤٣٥)

فالصبر في مدرسة العترة الطاهرة ليس مجرد تحمّلٍ سلبي، بل هو رضاٌ واعٍ يرى الخير فيما قدّره الله، حتى وإن غاب معناه عن العقل البشري.

 رابعًا: الحلّ العملي

 جدّد ثقتك بالله كل صباحٍ وشكره كل مساء، وردّد بصدق:

> «إلهي رضا برضاك، صبرًا على بلائك، وشكرًا لفواضل نعمائك.»

فالشكر على القليل يجلب المزيد، كما وعد الله تعالى:

> ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]

 لا تشكُ للناس حالك، بل اشكُ إلى الله كما قال نبيّ الله يعقوب عليه السلام:

> ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: 86]

 تذكّر أنّ الرزق مقسوم بعدلٍ إلهيّ، وأنّ الابتلاء مدرسةٌ لتزكية النفس، وفرصةٌ للتقرب من الله عبر العمل الصالح وخدمة عباده.

فمن أخلص لله، فتح له الله أبواب الفرج من حيث لا يحتسب.

 خلاصة مضيئة

إذا ضاق رزقك، فاعلم أنّ الله يريد أن يوسّع قلبك لحبّه قبل أن يملأ جيبك.
وإذا تأخر الفرج، فاعلم أنّه تأخيرُ محبّةٍ لا عقوبة، وأنّ الله يحب أن يسمع صوت عبده الصابر.

وحين يضعف صبرك، تذكّر وعده الصادق:

> ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]

 زاهر حسين العبدالله
 

نعم
هل اعجبك المقال