البحث المتقدم

البحث المتقدم

بين العموم والخصوص في بلدان اللصوص

1 تقييم المقال

 

تمتاز مجتمعاتنا الغافية بثنائيتها المجردة الحافية، حيث قلة خاصة ترتع بكل شيء وكثرة عامة تقنع بلا شيء. يقول علماء الاجتماع والانثربولوجيا أن التراتب والتمايز وبالتالي الانقسام الطبقي بين البشر قديم قِدَم الاجتماع البشري. فهو لم يبدأ بسرقة القرن ولن ينتهي حتماً بالأحكام التي صدرت ضدهم (غيابياً)!! لقد لوحظ تفاضل أبناء الخصوص على أبناء العموم في المجتمعات القديمة.

اذ تمايز البشر بسبب الموقع الذي سكنوه، أو المورد الذي جنوه، أو العلم الذي كسبوه أو سواها من العوامل التي سلطت بعضهم على بعض، ومايزت بين بعضهم البعض. وكم حاول الانبياء والمصلحون والفلاسفة والعلماء القضاء على هذا التمايز أو التخفيف من آثاره لكنه كان يزداد بوناً، ويتجذر صوناً، مما جعل الكثيرين يؤمنون أن لا عدالة ولا مساواة الا في الآخرة. 

واذا كانت بعض الأفكار والسياسات قد خففت من وطأة ثنائية (العامة-الخاصة) في بعض البلدان من خلال تشريعات تضمن خضوع الجميع لنفس القانون، وضمان حدود أدنى للعدالة، فأن بلداننا النائمة ما زالت تشخر، وأسود السلطة فيها ما زالت تزأر!!

قيم الطاعة
ان الاستثناء هو القانون عند الخاصة، والقانون هو الاستثناء عند العامة. فحينما يسرق العوام يعاقبون، وحينما يسرق الخواص يُستثنَون. يُعدَم العوام حين يَقتلون، ويُرحم الخواص حين يفتكون! وإذا عوقب الخواص فهم في رجاءٍ أشمل، وقضاءٍ أثمَل، وعقابٍ أحول، ومقامٍ أَجمل. مطلوب من العوام أن يحترموا القانون ليكونوا عواماً، ومطلوب من الخواص أن يخرقوا القانون ليكونوا خواصّاً! يُربّى العوام على قيَم الطاعة والصبر والتضحية وقبول النصيب، والرضا بالقليل وتجنب المشاكل، في حين ينشأ الخواص على قيَم الأقدام والجسارة والتفاخر والتمايز وطلب المزيد. 

حتى في أكثر النُظُم عدالةً ومساواةً (الأديان) يتمايز الخاصة عن العامة. فعباداتهم (الصلاة، والصوم والزكاة والحج والصدقة…الخ) أسهل، لأن مواردهم أفضل، وابتلائاتهم (فقر، مرض، نزوح، تشريد…الخ) أقل. يعبدون الله وهم يرَون نعمه، في حين أن العامة يعبدون الله وهم ينتظرون نِعَمه. العامةُ هم الصابرون، والخاصةُ هم الراتعون!

وفي السياسة يتم التعامل مع الخاصة بالمرونة والسماح، وقبول الآخر بارتياح. أما العموم فمطلوبٌ منهم الطاعة والانصياع، والسماع والأتّباع، وعدم استخدام العقل أو النزاع. فما العموم الا كُثرٌ رِعاع، وما الخاصةُ الا قادة وشُعاع. للخاصة أخلاق الغنيمة وللعامة أخلاق اللطيمة. فالخاصة يستحقون الأفضل والأحسن والأجمل لأن الله أختارهم بقراره وأختصهم بأختياره وحباهم بأسراره. أما العامة فهم حمّالي الأسى، والصابرين على الأذى، والراضين بالقسمةِ والقضى. العامة هم الصالحون العُبّاد، والقانعون الزُهّاد، ومن تبنى على ظهورهم الأوتاد.

أما الخاصة فهم المُجتبَون من العباد والراتعون من الحصاد…تيجان البلاد، وفخرها والعماد. في دولة الخصوص مطلوبٌ من العموم أن يعيشوا نزيهين، صادقين، ويموتوا خفيفين لا ثقيلين. ومطلوبٌ من الخاصة أن يعيشوا فاسدين، كاذبين. ففسادهم صلاحٌ للأمة، وكذبهم فلاحٌ ونعمة. الشرف عند الخاصة أن يكونوا كالسادة المبشرين، والشرف عند العموم أن يكونوا كالعبيد التابعين. حياة الخصوص مقدّسة، وحياة العموم مدنسة. حقوق الخصوص خطوطٌ حمراء وحقوق العموم صحراءٌ بلا ماء. أبناء الخصوص لهم الكرامة، وأبناء العموم لهم الصرامة.

في بلدان اللصوص حيث الحق منكوص، والباطل مرصوص لا دولة الا للخصوص، ولا عدلَ الا منقوص. معيار النجاح هو القوة، ومعيار التفوق هو الحظوة، ومعيار العمل هو الرشوة، ومعيار الندم هو الصحوة.

 فحين تصحو تعلم، وحين تعلم تندم، لذا عليك أن تغفو فلا تألم…(نامي جياع الشعب نامي) كي لا تضجر منك آلهة العوامِ…. تباً للعوام…من يصحو منهم ولا ينام.. ومن يحلم بعدلٍ ويرجو مساواته بالخواصِ من الأنام. تباً لمن يزاحم المجتَبين الأبرار، والمنتجبين الأخيار، وأُطِّروا بأطار، فلن يمسهم لغوبٌ ولا نار. تباً للعوام الهوام وهم ينافسون الخواص، ولا يرضون بالمناص، ويطالبون بالعدل والخلاص.

أيها العوام أعلموا أنه لن ينصفكم أحد أن لم تغادروا القطيع وتهجروا الراعي الوضيع. لا تأمنوا الأفاعي ثم تأملوا بغدٍ واعي. حاضركم ليس هَدَر، ووعيكم ليس خَدَر، وغدكم ليس قَدَر. فالغدُ فكرة، والماضي عبرة، والحياةُ ثورة.

نعم
هل اعجبك المقال