شهدت الدول العربية بعد مراحل الاستقلال المفترض سلسلة من الهزائم المتراكمة على مدار ما يقارب من سبعة عقود ماضية و التي تجاوزت المعارك العسكرية لتصل إلى عمق المشاريع القومية العربية . هذه الهزائم ليست مجرد انعكاس للمخططات الاستعمارية أو الهيمنة الإسرائيلية، بل هي أيضاً نتاج أزمات داخلية وإخفاقات سياسية واقتصادية أفرزتها النظم الحاكمة نفسها . فاليوم، نجد أنفسنا أمام واقع يتطلب الاعتراف بحجم المشكلة قبل التطلع إلى أي حلول.
فدول المشرق العربي تشهد ومنذ عقود امام اعيننا محاولات متواصلة لتفكيك بنيتها السياسية والأقتصادية والاجتماعية، في إطار مراحل متقدمة للمشروع الإستعماري القديم المتجدد تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل . هذا المشروع لا يستهدف فقط إعادة تشكيل خريطة المنطقة، بل يهدف إلى تقويض شكل ودور الدولة المدنية والقومية الحديثة بل وهزيمتها التي تأسست بعد استقلال بعض الدول العربية والتي عانت الحصار الغربي ومحاولات اخضاعها منذ ذلك التاريخ في غياب حركة معارضة عربية ديمقراطية موحدة ومسوؤلة بغض النظر عما تعرضت له ارهاصاتها من قمع .
وفي مراحل ما بعد الاستقلال، حملت الدولة القومية العربية ‘آمال الشعوب‘ في تحقيق الوحدة والاستقلال. ولكن سرعان ما تراجعت هذه الآمال بفعل عوامل عدة اهمها ،
يتقدمهم الاستبداد السياسي اولاَ، حيث أدت هيمنة الأحزاب الحاكمة، والانقلابات العسكرية المتكررة وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية ، إلى تغييب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مما جعل الدول أكثر عرضة للضغوط الخارجية.
ثم تأتي الإخفاق في مواجهة إسرائيل ، فرغم الحروب والنزاعات المتكررة، فشلت الدول العربية في كبح جماح التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ، الذي يواصل ابتلاع الأراضي الفلسطينية وتحقيق أهدافه التوسعية الكولنيالية في فلسطين التاريخية ، بل وفي حدود أوسع .
اما الامر الثالث فهو غياب الاستقلالية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، حيث لم تكن الدولة القومية قادرة على بناء اقتصاد قوي ومستقل يحقق الكرامة لمواطنيها.
ففشلت في بناء قاعدة صناعية رغم الثروات الطبيعية والبشرية الهائلة، الا انها لم تتمكن من تحقيق استقلال اقتصادي يجعلها قادرة على الصمود في وجه الأزمات . كما أدى غياب العدالة وتفاقم الفقر والبطالة إلى إضعاف النسيج الاجتماعي وتراجع الثقة بين الدولة والمواطن.
وتأتي رابعاً غياب رؤية موحدة للصراع مع إسرائيل، وتقديم المصالح الفردية للنظم الحاكمة او احزابها على حساب المصالح القومية.
اما المصيبة الخامسة فهو التطبيع والانحياز السياسي الذي تمثل بهرولة بعض الدول نحو التطبيع مع إسرائيل أضعف الجبهة العربية الموحدة وأعطى الأحتلال شرعية إقليمية.
اما في هذه الفترة فيبدو وبشكل واضح ملامح ما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد" والذي لاشك ان أشبه بمخطط مدروس يسعى لخلق كيانات ضعيفة وهشة، تفتقر إلى السيادة والقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة، بما يضمن بقاء المنطقة تحت الهيمنة الغربية والإسرائيلية بما يمثله هؤلاء اليوم ممن "أعلنوا تحرير" المسجد الأموي وارتكبوا كل موبقات الإرهاب من خلال مسميات تنظيمات اسلاموية على مدار العقدين الماضيين ومن يأتون اليهم تباعا من الأمريكان إلى هنالك بعد توجيه الضربات الإسرائيلية التي قاربت من خمسمائة هجمة واحتلال الأراضي السورية مجانا .