مدخل : تراث الإمام الحسن الفكري
لعلّ ما خلّفه الإمام الحسن (عليه السلام) من تراث فكري وإنساني وعلمي بوساطة النصوص التي أُثرت عنه من خطب، ورسائل، ووصايا، واحتجاجات، وأحاديث، وحكم في فروع المعرفة المختلفة تكشف عن تنوع اهتمامه (عليه السلام)، وسعة علمه، وإحاطته بمتطلبات المرحلة التي كانت تعيشها الأمة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والمخاطر والدواهي التي قلّ فيها من يعي طبيعة المرحلة ومتطلباتها إلا من كان محفوفاً برعاية الله وتسديده( ) ،ومن تراثه الفكري الذي لم يُسلط عليه الضوء تفسيره القرآن الكريم .
الإمام الحسن والقرآن
كان الإمام الحسن (عليه السلام) من أهل بيت شهد نزول الوحي فكان بدء حياته مع القرآن، وكان وحي السماء وآيات التنزيل تطرق سمعه وفكره وقلبه قبل أن تطرق سمع الآخرين وفكرهم وقلبهم حتى أنه إذا آوى الى فراشه قرأ سورة الكهف، ( )، وكان عليه السلام لا يقرأ آية من كتاب الله ( فيها ) يا أيها الذين آمنوا إلا قال لبيك اللهم لبيك ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكر الله سبحانه ( )، وقد أدّبه الله تعالى بالقرآن ورباه على منهج كتابه، وهذا ما صرح به (عليه السلام) فعن أنس : حيت جارية للحسن بن علي ( عليه السلام ) بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله فقلت له في ذلك فقال : أدبنا الله تعالى : فقال : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) الآية ( ) وكان أحسن منها إعتاقها ))( ).
وكان يدعو الى اتخاذ القرآن إماماً فهو القائل : ((ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه ))( ) .لذا يكون القرآن سائقاً وقائداً الى الجنة فينبغي العمل بحلاله وحرامه قال الإمام الحسن (عليه السلام): (( إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا يقود قوما إلى الجنة أحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه ويسوق قوما إلى النار ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلوا محارمه ))( ) .ويرى ( عليه السلام ) أن في القرآن (( مصابيح النور وشفاء الصدور ، فليجل جال بضوئه وليلجم الصفة فإن التلقين حياة القلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور))( )
ويرى أيضاً أنّ إجابة الدعاء مقترنة بقراءة القرآن الكريم كما يقول الإمام الحسن (عليه السلام) : (( من قرأ القرآن كانت له دعوة مجابة إما معجلة وإما مؤجلة ))( ) .
نماذج من تفسيره القرآن الكريم
أما آراؤه في التفسير فقد منع التفسير بالرأي اعتماداً على قول الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) في قوله : (( من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ))( ).
ويمكن تلمس نماذج من تفسيره النصوص القرآنية بالآتي :
1- تفسيره قوله تعالى ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأْمْوَالِ وَالأْولاَدِ – الإسراء /64) : روى سفيان الثّوريّ عن واصل ، عن الحسن ، عن ابن عباس (( أنه جلس الحسن بن علي ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان الرطب فقال يزيد : يا حسن إني مذ كنت أبغضك ، قال الحسن : اعلم يا يزيد أن إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان فأورثك ذلك عداوتي ، لأن الله تعالى يقول : " وشاركهم في الأموال والأولاد " وشارك الشيطان حربا عند جماعه فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدي رسول الله صلى الله عليه وآله))( ).
2- وصح عنه ( عليه السلام ) إنّه خطب النّاس فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الّذين افترض الله موّدتهم على كلّ مسلّم ، فقال : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً )( ) واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت( ).
3- وفي تفسير قوله : ( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ – الفتح /29) روي عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قال : استوى الإسلام بسيف عليّ ( عليه السلام )( ).
4- وسئل عن تفسير قوله : ( إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر – القمر /49) ، فقال : (( يقول عزّ وجلّ : إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ لأهل النّار بقدر أعمالهم ))( ).
5- وفي تفسيره ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) في قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ – ق/40) يرى أنّها الرّكعتان بعد المغرب اللتان تؤديان تطوّعاً ( ).
6- وفي تفسير قوله : ( شَاهِد وَمَشْهُودٌ – البروج /3) يذكر أنّ الشاهد محمد صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة معتمداً في ذلك منهج تفسير القرآن بالقرآن كما يتضح من الرواية التي مفادها (( أن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فسألته عن الشاهد والمشهود فقال: نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة . فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته عن ذلك فقال نعم : أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر . فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته عن ذلك فقال : نعم أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وآله وأما المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته سبحانه يقول " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا "( ) وقال " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود "( ) فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وسألت عن الثاني فقالوا ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ... ))( )، وكان قول الحسن أحسن( ) .
7- وفي تفسير قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ – البروج /4) :ذكر المتّقي الهنديّ أن الإمام الحسن ( عليه السلام ) فسّر ( أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ) بالحبشة( ).
8- وسئل عن تفسير قوله تعالى : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ – البقرة /201) قال : هي العلم والعبادة في الدنيا ، والجنة في الآخرة ( ). فقد نبه الإمام في هذا إلى ما يغفل عنه أكثر العامة ، إذ لا حسنة أعلى من العلم والمعرفة ، وعبادته سبحانه في الدنيا ،وثمرة المعرفة هي الطاعة والعبادة( ).