منطقة كربلاء، الواقعة غرب نهر الفرات في قلب العراق، تحمل بين تربتها إرثاً حضارياً غنياً يعود إلى آلاف السنين قبل ظهور الإسلام.
هذا الموقع الاستراتيجي، بين دلتا نهري الفرات ودجلة، جعلها ملتقىً للتجارة والمستوطنات القديمة، ومركزاً خصباً للزراعة والسكن منذ عصور ما قبل التاريخ.
تشير الدراسات الأثرية إلى مرور حضارات عدة على هذه الأرض، بدءاً من السومريين، الذين تركوا خلفهم أدوات زراعية وأسطح صخرية محفورة بالنقوش، مروراً بالبابليين الذين أنشأوا مستوطنات ومنشآت دينية، ووصولاً إلى الآشوريين الذين سيطروا على المنطقة لفترات طويلة، وتركوا آثاراً لمبانٍ صغيرة ومراكز تجارية.
ومن بين المواقع الأثرية البارزة في محافظة كربلاء، يمكن ذكر موقع تل الحمراء في كربلاء يشير غالباً إلى تل الزينبية، وهو تلة أثرية تاريخية تقع في الجهة الغربية من الحرم الحسيني الشريف بالقرب من باب الزينبية، على بعد خطوات من الحرم، وهو مكان مرتفع صغير يرتبط بأحداث عاشوراء حيث وقفت عليه السيدة زينب (ع) تنادي أخاها الحسين (ع)، وموقع تل عواد الذي يحتوي على بقايا معابد قديمة، بالإضافة إلى أدوات حجرية وفخارية في مناطق الشهداء وبوابة بغداد التي تعود لمراحل متعددة من التاريخ القديم، وتل الكعكاعية تابع لمنطقة الكعكاعية والذي يعود للعصر البابلي الحديث، وتل العكير في ناحية الحسينية الذي يعود للعصر الإسلامي.
تشير هذه المواقع إلى أن المنطقة كانت مأهولة بشكل دائم، وأن سكانها مارسوا الزراعة، التجارة، والتبادل الثقافي مع الحضارات المجاورة. كما تكشف الأبحاث عن استخدام السكان القدماء لنظم ري بسيطة وفعالة، وتصميم مبانٍ تتكيف مع البيئة الصحراوية شبه القاحلة، ما يعكس ذكاء حضاريًا ومهارات تنظيمية متقدمة.
مع كل هذا الإرث، فإن مدينة كربلاء في عصر ما قبل الإسلام كانت مجرد منطقة مأهولة، ولم تعرف بعد تسميتها الحالية؛ فاسم “كربلاء” كما هو معروف اليوم ظهر لاحقًا بعد ظهور الإسلام، ليصبح مرجعًا تاريخيًا ودينيًا في القرون اللاحقة. ومع ذلك، فإن آثار الحضارات السابقة تبقى شاهدة على أهمية الموقع وعمق حضارته، وتبين كيف شكلت هذه الأرض قاعدة للتطور الإنساني في وسط العراق منذ آلاف السنين.




تقييم المقال

