معارف فاطمية -٩- (قراءة اقتصادية في خطبة السيدة الزهراء "عليها السلام" -تتمة-)
قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس: ٧-١٠]
إنَّ القَسَمَ من الله تعالى بالنفس من جهة، وجواب القسم هو بيان الفلاح والفوز في تزكيتها وطهارتها، وبيان الخسران في ظلمتها وإطفاء نور فطرتها من جهة ثانية، يدعو الإنسان إلى التأمل في ذلك!!
ويمكن في قراءة أولية لذلك وضع الاستفسارات الآتية:
١- إنَّ الآيات المباركة تتحدث بوضوح عن موضوع هذه النفس الإنسانية، التي هي مثار إعجاز الخالق تعالى، ودهشة المخلوق بها؟
٢- بيان النظام الإلهي المتكامل في تحقيق الهداية للإنسان، وعدم تركه بلا نظام لهداية هذا المخلوق الذي تم تكريمه وتفضيله على غيره من المخلوقات.
٣- أهمية العلم والمعرفة والدور الكبير في تحقيق السعادة والنجاة، وبه يعرف الإنسان حقيقة النفس، وسبيل نجاتها من عدمه.
٤- هل هذا الفلاح والخسران يكون في الدنيا أم في الآخرة، أم كلاهما، وما دور الإنسان في تحقيقه.
٥- التأكيد على عظمة جهاد النفس، وأهمية معرفة أنواع النفس الواردة في الآيات القرآنية، ومنها:
- النفس الأمارة بالسوء.
(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي).
- النفس اللوامة.
(وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
- النفس المطمئنة.
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلی رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَ ادْخُلِي جَنَّتِي).
إنَّ هذه الموضوعات الخمسة تحتاج إلى البيان والتفكُّر لمعرفة بعض الأمور المتعلقة بالنفس الإنسانية ومقامها، وسبل نجاتها ومجاهداتها.
ولأجل ذلك سيتم بيان أمرين:
أولًا: الأحاديث الشريفة في بيان مقام جهاد النفس.
١.روي عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم": ((إنه بعث بسريَّةٍ فلما رجعوا قال: مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي الجهاد الأكبر!
قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النفس)).
وفي الحديث حث على ضرورة المعرفة، والاستعداد للجهاد الاكبر.
٢.روي عن الامام علي "عليه السلام": ((ينبغي للعاقل أنْ لا يخلو في كل حال من طاعة ربه، ومجاهدة نفسه)).
إنها دعوة صريحة إلى طاعة الله تعالى وجهاد النفس.
٣.روي عن الإمام الكاظم "عليه السلام": ((جاهِد نفسكَ لتردَّها عن هواها، فإنه واجبٌ عليكَ كجهادِ عدوِّكَ)).
وفيه بيان لضرورة الاستعداد والمعرفة والمواجهة.
إنَّ هذه الأحاديث الموجزة تؤكد وتحث على مجاهدة المؤمن لنفسه، والوصول إلى ثمار ذلك الجهاد الأكبر.
ثانيًا: ثمار جهاد النفس.
هناك ثمار متعددة لجهاد النفس نقتصر على ذكر خمس منها:
١- قهر النفس.
روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((ثمرةُ المجاهدةِ قهرُ النفسِ)).
٢- رفع الدرجات.
روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((روع النفس وجهادها عن أهويتها، يرفع الدرجات ويضاعف الحسنات)).
٣- كمال التقى.
روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((مَنْ جاهدَ نفسَهُ أكملَ التقى)).
٤- كمال الصلاح.
روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((في مجاهدةِ النفسِ كمالُ الصلاحِ)).
٥- الجنة.
روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((ألا وإنَّ الجهادَ ثمنُ الجنة، فمن جاهدَ نفسهُ ملكَها، وهي أكرمُ ثوابِ اللهِ لمن عرفَها)).
إنَّ هذه الثمار الخمس العظيمة تستحق أنْ يجاهد الإنسان عدوه الذي بين جنبيه، ويحاسب هذه النفس؛ لينتقل منها في سيرِها التكامل من نفس أمارة بالمعاصي إلى نفس تلوم نفسها على المعاصي، ثم إلى نفس عظيمة مطمئنة راضية مرضية.
فعلى المؤمنين الاستعداد في هذا الجهاد للوصول إلى الكمالات. والسلام




تقييم المقال

