البحث المتقدم

البحث المتقدم

معارف فاطمية -٨- (قراءة اقتصادية في خطبة السيدة الزهراء "عليها السلام" )

0 تقييم المقال

بعد أنْ تم بيان القراءة الاجتماعية لخطبة الزهراء "عليها السلام" إجمالًا، ننتقل في هذه الحلقة إلى بيان قراءة أخرى تتعلق بالاقتصاد على مستوى الفرد والمجتمع، وبيان حاجة  الأمة إلى هذه القراءة التي تؤكد كمال النظام الإسلامي في بيان سعادة الإنسان، وتحصين المجتمع من الانحرافات التي قد تكون من أسباب الغنى تارة، أو الفقر تارة أخرى، فالشريعة المقدسة قد وضعت نظامًا وحدودًا في التعامل مع المال، وفي ذلك رؤية اقتصادية وتنموية رائعة في تحقيق العدالة الاجتماعية، ونحاول بيان ذلك من خلال خطبة السيدة الزهراء "عليها السلام" في موردين إجمالًا:
١- قالت "عليها السلام": (فجعل .. وَالزكاةَ تزكيةً للنفسِ ونماءً في الرزقِ). 
       إنَّ التأكيد على أهمية أداء الحقوق الشرعية المالية يبيِّن مدى رؤية الشريعة في تنظيم الحياة، والإنسان بطبيعته يحتاج إلى نظام، فالزهراء تؤكد أنَّ من أهداف هذا الحق المالي (الزكاة) أمرين، الأول معنوي وهو تزكية النفس وقد تم بيان ما يتعلق به سابقًا، والآخر هو مادي يتعلق بالمال نفسه، حيث أنَّ أحد الأسباب الغيبية لهذه الفريضة هو حفظ المال من التلف والانحراف بصاحبه نحو حب المال الشديد الذي يؤدي إلى انحرافات مختلفة، أهمها هو معصية الله تعالى في أداء الحق الشرعي.
     وهذا النماء المالي له رؤية اقتصادية في المجتمع حيث تحسين الحالة المعيشية للفقراء والمحتاجين إلى المال، أو اللباس، أو السكن، أو الدواء أو غيرها مما يحقق نوعًا من أنواع التكافل الاجتماعي، ووفرة الحالة الاقتصادية في عموم المجتمع، وليس الأمر محصورًا في طبقة الأغنياء فقط، وفي ذلك حركة اقتصادية في كثير من مفاصل الحياة والسوق التجارية.
     ومما ورد من الأحاديث الشريفة الدالة على هذه الرؤية الاقتصادية في المجتمع قال الإمام الكاظم عليه السلام": (إنَّما وضِعَتِ الزكاةُ قوتًا للفقراءِ، توفيرًا لأموالِ الأغنياءِ)، وعن الإمام الصادق "عليه السلام": (.. ولو أنَّ الناسَ أدَّوا زكاةَ أموالَهُم ما بقي مسلمٌ فقيرًا محتاجًا، ولاستغنى بما فرضَ اللهُ عز وجل له، وإنَّ الناسَ ما افتقروا، وما احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا إلَّا بذنوبِ الأغنياءِ).
 ومن خلال ذلك يمكن معرفة الرؤية الاقتصادية العامة بالآتي: 
١-  أهمية هذه الفريضة المالية في انتعاش الحالة الاقتصادية والمعاشية لجميع المؤمنين، وخصوصًا الفقراء والمساكين وغيرهم ممن يجب صرف المال لهم.
٢-  بيان آثار هذه الفريضة في توفير القوت الملائم للفقراء كالمأكل والملبس وغيره من ضروريات الحياة، وما في ذلك من حركة اقتصادية في الأسواق تشمل أكبر عدد من الناس.
٣-  التأكيد على أنَّ من مظاهر أداء هذه الحقوق المالية القضاء على الفقر والفاقة التي يعاني منها الفقير، وإمكانيته في الاكتفاء بما يحتاج إليه، والقضاء على الفقر أو تقليل نسبته في دلالة على الحالة الاقتصادية المناسبة للفرد والمجتمع.
٤-  إنَّ تأكيد السيدة الزهراء "عليها السلام" على أنه باب من أبواب النماء في الرزق فيه بيان لعظمة المال الحلال في توسيع موارد العمل، وآثار مخرجاته، وآفاق الإنسان في تنمية مشاريعة عندما يعيش حالة الإحساس الإنساني بالرفق ومساعدة الآخرين وما في ذلك من حالة الطمأنينة وآثارها على الجد والنشاط في التجارة.
٥-  إظهار عظمة التشريع الإسلامي في إيجاد السبل النافعة في تحصين المال من جهة، وتوزيع الثروات من جهة ثانية، وتنمية حالة البيع والشراء بين أكبر عدد من الناس من جهة ثالثة، وتنوُّع مصادر المال في السوق من جهة رابعة، وكثرة سيولة النقد في السوق من جهة خامسة، وفي كل ذلك هناك حالة من الحركة الاقتصادية في المجتمع.
 ختامًا . 
      إنَّ تأكيد السيدة الزهراء "عليها السلام" على أداء الحقوق الشرعية فيه آثار اقتصادية واضحة في حركة المجتمع عامة، بما يحقق حالة كبيرة من حالات التكافل، فضلًا عن الشعور والراحة الباعثة على العمل وزيادة المال الحلال، وهي رؤية موافقة أو مستمدَّة من الآيات المباركات المتعددة التي تحث على أداء هذه الفريضة والسلام .

نعم
هل اعجبك المقال
مواضيع اخرى للناشر