البحث المتقدم

البحث المتقدم

النجاة منْ المستنقعِ أولى منْ الاشتباكِ معَ التماسيحِ

0 تقييم المقال

 

    عندما نصغي بعمق ونحلّل مقولة الأديب العالمي (بنيامين زاندر "( عبور المستنقع لا مقاتلة التماسيح"، ندرك جوهر الفكرة التي انطلقت منها مقالتنا، إذ تدعونا إلى التركيز على الهدف الأساسي بدل الانشغال بالصراعات الجانبية. وهيَ عبارةٌ بسيطةٌ في ظاهرها، عميقةً في معناها، استوقفتني كثيرا ، فمعَ التأمل والقراءةِ في أبعادها، تكشفتْ لي دلالاتٌ واسعة، لعلَ أبرزها الدعوةُ إلى تجاوزِ المشكلاتِ بدلَ الغرقِ فيها، وتركَ ما لا جدوى منْ الخوضِ فيه، حفاظًا على طاقتنا، ومنحا لأنفسنا سلاما داخليا دائما، فالعاقلُ لا يستهلكُ طاقتهُ في الدورانِ داخلَ المستنقع، بلْ يبحثُ عنْ أقربَ طريق لعبوره، وأكثرها أمانا.

    في خضمِ الأزماتِ والتحدياتِ، التي تعترضُ الإنسان، كثيرا ما يجدُ نفسهُ محاطا بمشكلاتٍ جانبية، تستنزفَ وقتهُ وجهدهُ دونَ أنَ تقربهُ منْ هدفهِ الحقيقي. وهنا تتجلى الحكمةُ الكامنةُ في عبارةٍ من المقولة ، وهيَ دعوةٌ صريحةٌ إلى التركيزِ على النجاةِ وتحقيقِ الغايةِ بدلَ الانخراطِ في صراعاتٍ عبثيةٍ لا طائلَ منْ ورائها.

      يرمز المستنقعَ ُ إلى الواقعِ الصعب، بينما تمثلُ التماسيحُ عقباتٍ ثانويةً أوْ خصوما عابرينَ لا تؤدي مواجهتهمْ إلى حلٍ جذريٍ للمشكلةِ الأساسية. والعقلُ الواعي هوَ منْ يميزُ بينَ ما يجبُ تجاوزهُ وما ينبغي تجاهله، فيختارُ طريقُ العبورِ بأقلِ الخسائر، ويدركَ أنَ الحكمةَ ليستْ في كثرةِ المعارك، بلْ في حسنِ اختيارها.

    يتمثلَ جوهرُ هذهِ الفكرةِ في تقديمِ الحلولِ الإيجابيةِ والعمليةِ بدلَ الانشغالِ بتضخيمِ الأزماتِ أوْ اجترارِ تفاصيلها، ففي حياتنا اليوميةِ، نلتقي بكثيرٍ منْ الأشخاصِ الذينَ يستنزفونَ طاقتهمْ في تتبعِ همومِ الآخرين، أوْ في الردِ على المستفزينَ بدلٍ تجاهلهم، وفي التركيزِ على المشكلاتِ عوضا عنْ البحثِ عنْ مخارجَ عقلانيةٍ لها، والحقيقةُ أنَ اقتراحَ حلِ بناءٍ لمنْ أخطأَ أوْ أساءَ التقديرُ يبقى أنفعُ وأجدى منْ نقدٍ لاذعٍ أوْ تجريحٍ مؤلم.

   إِنَّ التَّعامل مع الخلافات، لا يَتَطلَّب دائمًا المواجهة والصِّدام؛ فكثير مِنهَا يُمْكِن اِحْتواؤه بِحلول وُسْطى، أو بِتسامح صَادِق وقوْل حكيم: (عفَا اَللَّه عَمَّا سَلفَ)، أو بِحوار هَادِئ وتنازل واعٍ وَهذِه السُّلوكيَّات لَيسَت ضعْفًا أَبَدا، بل علامَات نُضْج ورشْد، تَقُود الإنْسان إِلى برِّ الأمَان بِأَقل الخسائر، وَتَحفَّظ لَه علاقاته وسلامه النَّفْسيُّ.

   لَقد أَكدَت الدِراسَات العِلْميَّة الحديثة؛ أنَّ تَوجِيه التَّرْكيز نَحْو اَلحُلول بدل المشْكلات يَنعَكِس إِيجَاب على صِحَّة الإنْسان وَصَفاء ذِهْنه، وُورْد فِي بَعْض الأبْحاث؛ أنَّ الدِّمَاغ يَستهْلِك طَاقَة مُضَاعفَة عِنْدمَا يَنشَغِل بِالْمشْكلات أَكثَر مِن اِنْشغاله بِالْحلول، وَكَان فِي ذَلِك رِسالة وَاضِحة تَقُول لَنَا: لا تَتَوقَّف طويلا عِنْد المسْتنْقع، بل أَعبُره بِثقة، وامضًا قُدُما نَحْو مَا يَستَحِق وَقتُك وطاقَتك وحياتك. وَلنُذكر بِقوْله تَعالَى ( ادْفع بِالَّتي هِي أَحسَن فَإذَا اَلذِي بَينِك وبيْنه عَداوَة كَأنَّه وَلِي حميم؟ ) سُورَة فُصِّلتْ: 34. وفي النسيان ، نعمة ورحمة وتخفيف، كما في قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) سورة )البقرة: 286(.

 

نعم
هل اعجبك المقال