البحث المتقدم

البحث المتقدم

نشيد لا يُكتَب… بل يُعاش

0 تقييم المقال

 

في كلّ يوم اثنين وخميس، يردّدُ خدمة العتبة العباسية المقدسة نشيدًا يسبقه زيارة مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام، أصبح جزءًا من التراث الثقافي للعتبة المقدسة، إذ يتردّد صدى "لحن الإباء" في أرجاء العتبة العباسية المقدسة، وسط حضور من زائرين يصطفون قريبًا للاستماع والتمعن بالكلمات والأداء.

ليس كل لحنٍ يُسمَع بالأذن، فبعض الألحان تُصغي إليها القلوب قبل الآذان. ولحن الإباء واحدٌ من تلك الأنغام التي لا تُعزَف على أوتار موسيقية، بل تُستحضَر من عمق التجربة الإنسانية، حين يقف الإنسان شامخًا أمام المحن، رافضًا الانكسار، ومؤمنًا بأن الكرامة لا تُقايَض.

الإباء ليس كلمة تُقال في الخطب، ولا شعارًا يُرفَع في المناسبات، بل موقف يتجلّى في لحظات الاختبار القاسية. هو القرار الصعب حين تتزاحم الخيارات السهلة، وهو الصمت المعبّر عندما يعلو ضجيج المساومة. لذلك ظل الإباء عبر التاريخ لحنًا خالدًا، تتوارثه الأجيال.

في ساحات التضحية، يُولد هذا النشيد واضح النبرة. نسمعه في خطى من تقدّموا الصفوف دفاعًا عن أوطانهم، وفي عزيمة من اختاروا الفداء طريقًا ليحفظوا للأرض اسمها وللهوية معناها. لم يكن هؤلاء يبحثون عن مجدٍ شخصي، بل كانوا يؤمنون أن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد تعرف قيمة العطاء، وقلوب لا تعرف التراجع.

وليس الفداء حكرًا على ميادين القتال وحدها؛ فكم من أمٍّ قدّمت صبرها قربانًا، وكم من معلمٍ غرس الوعي في زمن الجهل، وكم من عاملٍ شريفٍ صان الأمانة في زمن التفريط. في كل هؤلاء يتردد لحن الإباء، هادئًا لكنه عميق، بسيطًا لكنه عصيّ على النسيان.

إن أخطر ما يهدد المجتمعات ليس الفقر ولا الأزمات، بل فقدان هذا اللحن الداخلي. حين يبهت الإباء، يسهل التطبيع مع الخطأ، ويصبح التنازل عادة، ويغدو الصمت عن الحق حكمة زائفة، لذلك فإن الحفاظ على نشيد الشجاعة والفداء مسؤولية جماعية، تبدأ من التربية، وتترسخ في الخطاب، وتُختبَر في المواقف اليومية.

لحن الإباء لا ينتهي بنهاية معركة، ولا يخفت بزوال أزمة، إنه وعدٌ متجدّد بأن الكرامة ستظل أعلى من الخوف، وأنّ الإنسان قادر، مهما اشتدت العواصف، أن يقف مستقيمًا ويقول: هنا مبدئي، وهنا وطني.

نعم
هل اعجبك المقال