البحث المتقدم

البحث المتقدم

النجف الأشرف وحوزتها العلمية>> في حقبة الطغيان البعثي

0 تقييم المقال

 

كتبت عددا من المقالات عن ظروف القهر والاستبداد البعثي الذي صب جام غضبه على شيعة العراق في حقبة الحرب العراقية الإيرانية . هي المدة التي عشتها قريبا من المرجعية العليا المتمثلة بآية الله العظمى السيد الخوئي (طاب ثراه) إذ اعتمد بعض الكتّاب على مقالاتي واعتبروها وثائق تاريخية بينت تلك الفترة الحالكة، والآن وردني طلب من أحد الكتاب أن أوثق علاقة السيد الخوئي[قدس] بالمحيط الاجتماعي الذي كان يعيش فيه. والكتابة عن تلك الفترة تستوجب أن أبين قضيتين . الأولى : نظرا لشدة المراقبة من الأجهزة الأمنية وحزب البعث وذيولهم الذين كانوا يكتبون إلى قيادتهم الحزبية .كل حركة ونشاط مهما كان بسيطا  حتى ولو بشطر كلمة . ولكنهم يعتبرونها موقفا ضد الحزب والثورة ولا بد أن ينال قائلها وعائلته وأقربائه وبعض أفراد عشيرته ما يناسبهم من حكم يبن قسوة السلطة وطغيانها ضد الأطفال والنساء وغيرهم.

 

القضية الثانية: كانت الأنظار والرقابة المشددة بكل ما للكلمة من معنى تنصب على طلبة العلوم الدينية الذين استهدفهم الحزب للإجهاز على بقية الحوزة في العراق بعد أن تم إغلاق الدراسات الحوزوية [في كربلاء المقدسة والكاظمية  وجميع المدن الشيعية ولم تبق هناك مدارس للشيعة سوى النجف الأشرف]. وللسيد الخوئي كلمة عن تلك الفترة. قال: الشيخ الطوسي (رحمه الله) هو من أسس الحوزة العلمية. فلن أدع التاريخ يكتب وفي زمن السيد الخوئي انتهت الحوزة العلمية. لن أعطيهم ذلك ولو كلفني حياتي.

 

فعليك أن تتصور الظروف القاهرة المرعبة التي كان يعايشها المعممون والشيعة الملتزمون بخط أهل البيت{ع} والذين لا يتساعدون مع البعثيين في كتابة التقارير الحزبية ضد أبناء جنسهم ومذهبهم. هاتان القضيتان لا يمكن أن تصل إلى {المشاعر} لأن الحديث عنها الآن كحديثنا للطفل عن لذة الجنس. أو حديث الخائف من كل ما يدور حوله لشخص يعيش الحرية والأمان . وحتما يختلف الناس عند البعثيين حسب موقعهم الديني والاجتماعي , إلا أنهم متساوون بالظلم والإعدام والتهجير.

 

في تلك الظروف كنا نتقرب في خدمة السيد الخوئي [قدس] لا لشخصه بل لأنه يمثل قطب الرحى في الوقوف والتصدي لزبانية صدام. وكنت أرى وأسمع بأذني ما يعانيه الرجل من بعض المعممين والمحسوبين على جهات {علمية بعثية} في النجف الأشرف .حين يبعثونهم للنيل من كرامة السيد الخوئي. وكنت أرصد منه الموقف الرجولي, ولا بد أن أذكر يوم رفض أن يتم تصويره من قبل محطة تلفزيون بغداد الذين نصبوا كاميراتهم في جامع الخضراء لتصويره يصلي المغرب والعشاء ويتم بثها في اليوم التالي أنه {استجابة لنداء السيد رئيس الجمهورية المهيب الركن صدام حسين أدى المرجع الخوئي صلاة الغائب على أرواح الشهداء} وهذه خلال الحرب العراقية الإيرانية . فنادى على السيد علي الأفغاني وسيد أيوب اللذن يحملان السيد من سيارته إلى محراب المسجد أن يعيدوه للسيارة , وفوت الفرصة على إعلام صدام وزبانيتهم.

 

كانت هناك مجموعة من الثقاة من العلماء محل ثقة للسيد الخوئي يتقدمهم السيد عبد الأعلى السبزواري والسيد مهدي الخرسان رحمه الله والسيد السيستاني دام ظله. الذي تم منعه من دخول جامع الخضراء لأداء الصلاة في حالة مرض السيد الخوئي وعدم تمكنه المجيء للصلاة .وعائلة الجواهري وبيت السيد محمد صادق الصدر. يقابلهم تقريبا جميع خدمة العتبة الحيدرية المقدسة ذلك الوقت. في أيام الزيارات والمناسبات يزور العراق أبناء الخليج من السعودية والكويت والبحرين وبقية دول المنطقة كلبنان وسوريا .

 

 في وقتها وجهت قيادة الحزب في النجف أحد عناصرهم {يرتدي عمامة} جاء ووقف بجانب المحراب أثناء رفع الأذان في الحضرة المطهرة. ليكبر للصلاة . في جامع الخضراء فالتفت السيد إلى المرحوم الحاج عبد الحسين الخضار      {قاري الدعاء} أن يزيحه من مكانه. ولكنه أصر بدون حياء . وأخيرا تمت إزاحته من مكان المناداة للصلاة. فتبين أن المومأ اليه مرسل من قبل دائرة الحزب والأمن في الحضرة ليقيم الصلاة للسيد الخوئي . ولما كان عدد الحاضرين كبيرا لا يسعهم الجامع وأغلبهم زوار من خارج العراق. فإن الأخ المعمم سينهي دعاءه {أن يحفظ الله الرئيس القائد صدام حسين وينال من السيد الخميني {قدس}.هناك قضية جديرة بالانتباه .

 

حسب اطلاعي فإن السيد رحمه الله كان يوصل أموالًا لبيوت عدد من السجناء والمعدومين في النجف وخارجها  من قبل الثقة المحيطين به الذين عرفت منهم الحاج مهدي البلاغي والحاج عبد الله رحيم والحاج عبد علي محمد والثلاثة من أهالي الفاو. وشخص من أهالي القرنة لا أعرف اسمه.  وكنت أستلم أموالا يرسلها لي عن طريق المرحوم السيد مهدي الخرسان لأشتري مواد غذائية للمحتاجين وأغلبهم عوائل السجناء والمعدومين والمهجرين. إضافة إلى أني كنت الوحيد في النجف يرسلني للقيام بأعمال البناء {ترميم بيوت متهالكة} يسكنها أبناء وعوائل تم تكريم أهلهم بالسجن أو الإعدام من قبل الحزب القائد.

 

أما علاقته بالثورة الإسلامية : كان لي صديق اسمه حامد المطوري وهو شاب من الفاو عمره  25 سنة يأتي يصلي كل يوم في  الجامع. ولكنه انقطع تماما عن الحضور. ومن ينقطع عن الحضور لا يحق أن تسال عنه.

 

بعد انتهاء الحرب ورجوعي إلى البصرة وقعت في مشكلة  أمنية هربت على إثرها إلى إيران . حين علم حامد المطوري أني أسكن في بيت الأخ عبد الله الربيعي أبو محمد، زارني للاطمئنان على صحتي .سألته عن سبب انقطاعه عن الصلاة خلف السيد الخوئي. .قال: أنا كنت أحمل بريد من السيد الخوئي إلى السيد الخميني [قدس] وأعود عن طريق الهور بمساعدة بعض المجاهدين, ولم أعرف ما في البريد مطلقا. هذا قبل الحرب: ووقعت في كمين للجيش وتم نقلي إلى مديرية المخابرات العامة في بغداد. واعترفت لهم بمسؤوليتي . أخذوا البريد وصوروه ثمّ ردوه لي وقالوا . نحن نريد أن نساعدك كونك عراقي وشهم . ونعطيك راتب ومسؤولية أن تأتينا بالبريد الوارد من الخميني وبالعكس. ثم أعطوني أجرة السيارة للنجف . في اليوم الثاني زرت السيد الخوئي في بيته ومعي بريد السيد الخميني [ العهدة على الراوي] يقول ذكرت له ما جرى علي.. قال أرجو أن تنقذ نفسك لأنهم لا أمان لهم سيقتلونك.!! وأعطاني بريده كالعادة وقال سلم الأوراق لهم ليصوروها في بغداد ليطمئنوا . قبلت يده وجئت إلى إيران وأخبرت الجهة الثانية بما اتفقت مع السيد وتركت العمل وبقيت في إيران.

 

الموضوع عن حياة السيد وعلاقته بالمجتمع طويل ولكن لا بد أن أبين أن حياة الفقهاء مع الطغمة الفاسدة الظالمة في كل عصر لا تختلف عن الأخرى . رحم الله الأفذاذ من أصحاب الأئمة المعصومين {ع} ورحم  أصحاب القلوب التي لم تقهر بطغيان حزب البعث .رحم الله الشهداء والمضحين للإسلام  والثابتين على ولاية آل محمد الطيبين الطاهرين .

نعم
هل اعجبك المقال