عن تفسير الميسر: قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿النساء 29﴾ تجارة اسم، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه. و جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿النساء 29﴾ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل بالحرام في الشرع كالربا والغصب إلا لكن أن تكون تقع تجارة وفي قراءة بالنصب أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة عن تراضى منكم وطيب نفس فلكم أن تأكلوها، ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيّا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة إن الله كان بكم رحيما في منعه لكم من ذلك.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿النساء 29﴾ استثناء منقطع جيء به لدفع الدخل فإنه لما نهى عن أكل المال بالباطل ـ ونوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التي يتحقق بها النقل والانتقال المالي كالربويات والغرريات والقمار وأضرابها باطلة بنظر الشرع ـ كان من الجائز أن يتوهم أن ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع وتلاشي أجزائها وفيه هلاك الناس فأجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظم شتات المجتمع، وتقيم صلبه، وتحفظه على استقامته، وهي التجارة عن تراض ومعاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع، وذلك نظير قوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء 89) فإنه لما نفي النفع عن المال والبنين يوم القيامة أمكن أن يتوهم أن لا نجاح يومئذ ولا فلاح فإن معظم ما ينتفع به الإنسان إنما هو المال والبنون فإذا سقطا عن التأثير لم يبق إلا اليأس والخيبة فأجيب أن هناك أمرا آخر نافعا كل النفع وإن لم يكن من جنس المال والبنين وهو القلب السليم. والتقدير: لا تأكلوا أموالكم بينكم إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فإنكم إن أكلتموها من غير طريق التجارة كان أكلا بالباطل منهيا عنه كقولك: لا تضرب اليتيم ظلما إلا تأديبا، وهذا النحو من الاستعمال وإن كان جائزا معروفا عند أهل اللسان إلا أنك قد عرفت أن الأوفق لسياق الآية هو انقطاع الاستثناء. فالمراد بالاستثناء التسامح بما يكون فيه أحد العوضين أكبر من الآخر، وما يكون سبب التعاوض فيه براعة التاجر في تزيين سلعته وترويجها بزخرف القول من غير غش ولا خداع ولا تغرير كما يقع ذلك كثيرا إلى غير ذلك من الأسباب. وكل ذلك من باطل التجارة أباحته الشريعة مسامحة وتسهيلا لأهلها، ولو لم يجز ذلك في الدين بالاستثناء لما رغب أحد من أهله في التجارة واختل نظام المجتمع الديني.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿النساء 29﴾ هذه الآية تشكل في الحقيقة القاعدة الأساسية للقوانين الإِسلامية في مجال المسائل المتعلقة (بالمعاملات والمبادلات المالية) ولهذا يستدلّ بها فقهاء الإِسلام في جميع أبواب المعاملات والمبادلات المالية. أنّ التعبير بـ (الأكل) كناية عن كل تصرف، سواء تمّ بصورة الأكل المتعارف أو اللبس، أو السكنى أو غير ذلك، تعبير رائج في اللغة العربية وغير العربية، غير غريب على الاستعمال. ثمّ إِنّ الله سبحانه يقول معقباً على العبارات السابقة: إِلاّ أن تكون تجارة عن تراض. وهذه العبارة استثناء من القانون الكلي، وهو بحسب الاصطلاح (استثناء منقطع) وهو يعني إِن ما جاء في هذا العبارة لم يكن مشمولا للحكم السابق من الأساس، بل قد ذكر تأكيداً وتذكيراً، فهو في حدّ ذاته قانون كلي، وضابطة عامّة برأسها، لأنّه يقول: إِلاّ أن يكون التصرف في أموال الآخرين بسبب التجارة الحاصلة في ما بينكم، والتي تكون عن رضا الطرفين. فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات المالية والتبادل التجاري الرائج بين الناس في ما إذا تمّ برضا الطرفين وكان له وجه معقول أمراً جائزاً من وجهة نظر الإِسلام (إِلاّ الموارد التي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة). من القواعد المشهورة بين الفقهاء، قاعدة تسلط الناس على أموالهم، ولا يزالون يستدلون بها في مختلف أبواب المعاملات بالمعنى الخاص، والعام، بل لعله هو المدرك الوحيد في بعض مسائلها، وبيان محتواها ومداركها وما يتفرع عليها وما يستثنى منها يتم في مقامات. في مدرك القاعدة: يمكن الاستدلال عليها بأدلة منها كتاب اللّه:آيات مختلفة، وردت في موارد خاصة، يستفاد من مجموعها ان كل إنسان له سلطة على أمواله الخاصة، لا يجوز لأحد مزاحمته الا من طرق معينة وردت في الشرع، فمما يدل على هذا المعنى قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (النساء 29). دل على عدم جواز أكل أموال الناس الا من طرق خاصة مشروعة، تبتنى على رضا الطرفين، وجعل حرمته كحرمة قتل الأنفس، وكأنه الى هذا ينظر الحديث المعروف (حرمة مال المسلم كحرمة دمه).




تقييم المقال

