في بلدي تذبح الكرامة على مرأى من الناس، وتباع العدالة في سوق النخاسة، وترفع الشعارات البراقة لتغطية الخراب المستشري.
في بلدي، يعتقلون شاباً لمجرد أنه صبغ حيواناً بلون غريب، بينما يسرح من نهب المليارات في القصور، محاطاً بالحراس والمصفحات، كأن شيئاً لم يكن.
مأساة تُبكي الحجر وتثير السخرية في آن واحد، وكأننا نعيش في مسرحية عبثية لا نهاية لها.
العجب العجاب أن يحاسب الضعيف على تافه الأمور، فيما يقدس الفاسد على جرائمه الكبرى.
العجب أن تُشهر المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد نزوة عابرة أو خطأ شخصي لا يتجاوز لحظة، بينما تُخفى وتُطمس ملفات النهب والسرقات التي تهز اقتصادات دول بأكملها. لماذا؟ لأن الفاعل ليس سوى سياسي أو ابن سياسي أو حفيد سياسي، له حصانة من المساءلة، ولديه إعلام مأجور يغطي عوراته، ويحوّل جرائمه إلى إنجازات.
من المؤسف أن المجتمع نفسه أصبح شريكاً في هذه المهزلة.
جزء كبير من الناس يُشغل عن القضايا المصيرية بمتابعة ما يُبث من تفاهات، حتى صارت فضائح "صبغ حيوان" قضية رأي عام، بينما خبر تجنيس آلاف الغرباء أو تهريب مليارات الدولارات لا يتجاوز الهامش، وربما يُنسى في اليوم التالي.
هذا ليس بريئاً، بل وراءه ماكينة إعلامية مموّلة تعمل على إلهاء الناس وتشويه وعيهم، حتى صاروا ضحية التضليل بدل أن يكونوا رقيباً على الفساد.
إن ما يجري اليوم لا يفسر إلا بجهل متراكم، وجهود منظّمة لتسي المجتمع وإضعافه، تحت مسميات براقة مثل "منظمات إنسانية" أو "منابر إعلامية حرّة"، بينما حقيقتها أنها أدوات مدفوعة الثمن.
الحل ليس في محاكمة من صبغ الحيوان، ولا في تضخيم التوافه، بل في مواجهة رأس الأفعى: الفساد السياسي، والإعلام المأجور الذي يلمّع الفاسدين ويغطي على سرقاتهم.
يجب أن تكون هناك سياسة إعلامية واضحة، تضع ثوابت للنشر، وتمنع من يحوّل المجتمع إلى لعبة بيد ممولين خارجيين أو طامحين للفتنة، فالمجتمع الذي يُقاد بمنشور تافه، مجتمع مهدّد بالانهيار.
العجب العجب... أي بلد هذا الذي يجعل من التفاهة قضية وطنية، ويجعل من الفساد شرفاً لا يُمس؟