آلية عمل العقل البشري وتأثير الجانب النفسي على قرارات الفرد تجاه المؤثرات الخارجية لا تخلو من عدم إدراك وغموض ونقص في المعلومات، لا سيما فيما يتعلق بالجانب النفسي والبرمجة الشخصية لكل فرد.
ما لا يعرفه كثير من الناس أنّ البشر ينقسمون على أنُاس انطوائيين منعزلين، وآخرين انبساطيين اجتماعيين، وهذا الاختلاف كبير بجوهره ودلالاته، ولكن المشكلة أننا لا نعرف الآخر؛ لأننا نتعاطى مع الحياة الاجتماعية بطريقة مرآتية وكأن العالم يشبهنا.
إن ثلث سكان الكوكب انطوائيون (منعزلون) بينما فئة الاجتماعيين تريد منهم أن يكونوا مثلهم بسبب عدم ملاحظة وجودهم من الأساس ومعرفتهم.
نستطيع أن نُعرّف الشخص الانبساطي: هو الذي يفرح وينبسط في علاقته مع الآخرين، بينما الانطوائي: هو ذلك المنعزل وأقدس كلمه لديه هي (مساحتي الخاصة)، وهذا الاختلاف يشكل الهندسة النفسية للأفراد وهي بطبيعة الحال تختلف من شخص إلى آخر.
الدوبامين: هو مادة كيميائية أو هرمون موجود بشكل طبيعي في جسم الإنسان، يعزز الشعور بالسعادة، ويختلف إفراز هذا الهرمون من شخص لآخر بحسب المؤثرات وبحسب الأشخاص أنفسهم، وبحسب برمجة الفرد الهندسية والعصبية، فالانبساطيون يرتفع عندهم هرمون السعادة حالما يختلطون بالمجتمع ويحتكون بالأصدقاء على عكس الجانب الآخر تكون العزلة عندهم سببًا للازدهار والابداع.
هنالك فروق كبيرة وفجوة شاسعة بين النظامين الانبساطي والانعزالي منها:
- الانبساطي يميل إلـــى الشجاعة والإقدام والتجربة بينما الآخر يميل إلى الحذر المبالغ فيه.
- الانبساطي يعيد شحن نفسه بواسطة الأصدقاء والخروج والتعبير عن مشاعره بينما الانعزالي يستعيد طاقته عن طريق الانعزال والصمت والبقاء في المنزل (هندسة عصبية خاصة).
- الفرح يكون غالبًا صفة النظام الانبساطي، لكن يجب عدم التطرّف لأننا كبشر في حاجة إلى البكاء في بعض الأحيان، بينما النظام الانطوائي يميل إلى الحزن ويقف عند أمور غريبة لأن لديه فن إدارة النزاعات الحزينة ودوامة من الحزن الأسود، لذلك يجب عدم التطرّف فيه وكبح جماح الخيالات الحزينة.
- الانطوائيون يكونون أكثر ذكاءً وأكثر حكمة لأنهم يستمعون أكثر ولأن مسار المعلومة للقرار طويل جداً عندهم على عكس الانبساطين فهم يتكلمون بشكل أكبر ومسار المعلومة للقرار قصير جدًّا.
- الانعزالي الانطوائي قد يصبح كاتبًا عظيمًا، مفكرًا، روائيًا، مخترعًا على عكس الانبساطي فقد يكون قائدًا عظيمًا، ومسوّقًا ماهرًا، ومقدمَ برامج محترفًا...إلخ من المهن التي تحتاج إلى لباقة وتواصل.
تؤثر عوامل عدّة على الهندسة العصبية وعلى سلوك الأفراد منها العائلة والبيئة والشريك وطبيعة العمل، ولا سيما الصديق يؤثر على الهوية النفسية أضعاف ما يؤثره الأهل ولاسيما في مرحلة المراهقة، ذلك أن مسألة الصداقة في مرحلة المراهقة ليست قضية ديمقراطية؛ لأنّها تشكل شخصيّة المراهق وميولة المستقبليّة.
الدين أو الفكر الديني يجعل لنا بصمة نفسية مؤثرة، كذلك الإعلام وحده يشكل 60% من بصماتنا وأهدافنا لأننا وببساطة نستيقظ وننام على الإعلام ونحن نتعامل مع كمّ كبير من المؤثرات.
المشكلة الكبيرة هي أننا نريد من صاحب النظام الانطوائي أن يكون اجتماعيًا، فالمعلمة تريد وتلح بشكل مكثّف على بعض الطلاب الانطوائيين (الانعزاليين) من الخروج والوقوف والتحدّث أمام الزملاء وهذا خطأ كبير، وفي بعض المواقف نريد من الطفل الاجتماعي أن يكفّ عن الكلام والتزام الصمت.
النصيحة الأساسية، هي أن نتعاطى مع الأشخاص الانطوائيين على وفق نظامهم ولا نحاول أن نصنع منهم أشخاصًا انبساطيين، وفيما يتعلق بالشخص الانبساطي فالنصيحة هنا ألّا يقعون في الفخ النفسي الذي يشمل التعبير عن أهدافهم وطموحهم بشغف وتفصيل عال لدرجة أنّه يشعر بلحظة ما أنه قد حقّق هدفه بخياله، لذلك الحديث عن الأهداف بشغف كبير مؤذٍ ومهلك للطاقة.