بعد ٱن اجتمع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأصحاب الكساء وغطاهم بالكساء اليمانيٍ وقال: إن هؤلاء أهلُ بيتي وخاصتي وعامتي ... الخ الحديث المبارك نزلت آية التطهير " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)، هذه الآية تحمل في طياتها معاني تحتاج للتأمل والتدبر والتفكر.
الآية تبين ان أصحاب الكساء هم اختيار الله سبحانه وتعالى كما بدأت بــ " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ" وليس لجانب القرابة او العاطفة محل فيها، فإرادة الله هي المسيطرة والنافذة فالخلق والكون اختيار الله وتعاليم الدين اختيار الله، والانبياء والاوصياء هم كذلك اختيار الله لأنه العليم الخبير، فالشواهد القرآنية بينت ان الاقوام التي خلت قد أرادوا ان يختاروا النبي وهذا ما لا يقبله الله كما لا يقبل التغيير والتحريف في دينه جل وعلا.
الآية دلت على معنى أخر يدل عليهم، وهي إشارة عَنكُمُ الرِّجْسَ؛ لان الرجس هو العمل القبيح ووسوسة الشيطان والشك. فلو كان الرجس داخلاً فيهم لتغير اللفظ، وأصبح منكم الرجس او فيك الرجس، لكن هذا الرجس هو خارج منهم وبعيد عن قلوبهم وأفعالهم صلوات الله عليهم، فلا يعلم التاريخ لأصحاب الكساء عليهم السلام إلا طهارة الولادة والمولد وتكريمهم عن عبادة الشرك وبعدهم عن السوء والشك والريب، وهذه الطهارة الظاهرة فيهم من اهم شروط وراثة الكتاب.
انتقلت الآية بشكل لطيف لتقول "أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" هنا جاءت إرادة السماء وسمتهم بأهل البيت وهي لفظة موجهة تفيد التحديد كما بدأت الآية بـ أنِمْا وهي اداة حصر وليست لإطلاق المعنى، فلو جاء السياق بأهل محمد أو أهل الدار لكان هناك اختلاف كبير بالمعنى والمقصد، فاللفظة القرآنية البيت استعملت في الترابط الاسري ففي سورة العنكبوت قال تعالى " وأن أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (41) لما لهذا البيت من انحلال عائلي وتفكك؛ فالأنثى تقتل الذكر بعد عملية الجماع والعناكب الصغيرة تقتل امهم ويتغذون عليها.
ان الله جل وعلا لا يختار بيوتا ترث الكتاب والنبوة تكون واهنة ويتخللها الشك والريبة والرجس، فالقصص القرآنية مليئة بالشواهد التي تدل على طهارة ورثة الكتاب كقوله تعالى "أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)، وكذلك السيدة العظيم مريم بن عمران عندما قَالَتْ "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) بعد ان جاءها المخاض، فهي لم تفعل الخطأ لا سمح الله وقد تمنت الموت لتدل على طهارة عالية المستوى. فالبيوت التي إذن الله ان ترفع هي بيوت قد اختارها الله ورفعها وجعلها حجة على الناس فكان منها الأنبياء والاوصياء الذين هم ورثة الكتاب وحملة الرسالات.
لو سألنا ما فائدة آية التطهير، بماذا سوف تنتفع الأمة من طهارة أصحاب الكساء (ع)، هل جاءت الآية في سياق التكريم أم أن هنالك عمق بالمعنى، ان المسلمين إذا اختلفوا في قضية ما بعد الحبيب محمد ﷺ الى من يرجعون، ومن هو الذي يفصل بينهم ويبين لهم. باعتبار ان الله سبحانه وتعالى لم يرفع التكليف عن المسلمين بعد استشهاد النبي محمد ﷺ وكذلك ان صحابة النبي محمد ﷺ لم يرتقوا لمقام النبوة لا سيما وان آثار الجاهلية والانتماء القبلي ما زلت في قلوبهم، فضلا عن ان المنافقين لم يختفوا من وجه الأرض باستشهاد النبي محمد ﷺ وحاشا للنبي ﷺ ان يكون وجوده سببا لوجود المنافقين والذين في قلوبهم مرض. حتما ان الذي لا يدخله الريب ولا الشك أحق ان ترجع اليه الأمة بعد النبي الكريم ﷺ وأن الآية انما جاءت لتقول للناس ان قادة الدين ومركز القرار هم أصحاب الكساء بدءا من الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام وحتى الامام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي عج الذين هم سفنن النجاة وينابيع المعرفة والحكمة وهم اختيار الله وامتداد دينه، وان المتخلف عنهم في شك وضلال وعمى بعيد كل البعد عن جادة الصواب وطريق الهدى.
أهل البيت عليهم السلام هم الذين اختارهم الله ليكونوا سفن النجاة وهداه الامة وبهم يستطيع المسلم ان يميز بين جبهة الحق والباطل، فجاءت الأحاديث النبوية لتؤكد هذه الحقيقة القرآنية فقال رسول الله ص بحق علي "يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" وجاء أيضا "علي مع الحق والحق مع علي يدور حيث ما دار" وجاء "علي مع القرآن والقرآن مع علي" وكفى بموقعة الغدير وتنصيب الأمير من حجة بالغة. أما في حق فاطمة عليها السلام فقال نبي الرحمة " فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبني"، وفي الحسن والحسين عليهم السلام قال هما سيد شباب أهل الجنة وهما امامان إن قاما وإن قعدا.
فعن بريدة قال:
قرأ رسول الله ﷺ" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال " فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام، قال: نعم من أفضلها.