من مجموعة معطيات تتحصل لدينا نتيجة مفادها أن ليلة القدر فيها قرارات - أقدار - سماوية ومفصلية متعلقها الإنسان والكون بشكل عام، يستعلمها حجّة الله في أرضه وبالتالي هي توظيف فعلي كبير لولاية إلهية ينهض بها كل إمام في عصره وممارسته لإدارة دولة كونية وأهمّ هذه المعطيات:
١. أن ليلة القدر مستمرة وليست منحصرة بعصر النبي صلوات الله عليه، في الكافي عن داود بن فرقد قال: حدثني يعقوب قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ليلة القدر فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن..
وفي تفسير البرهان عن الشيخ الطوسي عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله القدر القدر شئ يكون على عهد الأنبياء ينزل عليهم فيها الامر فإذا مضوا رفعت؟ قال: لا بل هي إلى يوم القيامة.
٢. أن فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تقدّر الأرزاق والأعمار والقضايا.. الخ، قال الصادق (عليه السلام): إنّ ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني، ﴿فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ﴾، وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول، فطوبى لعبد أحياها راكعاً وساجداً، ومثّل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها، فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إن شاء الله. المصدر بحار الأنوار: ج٩٤، ص٥
٣. أن هذه القرارات كانت تنزل فيها الملائكة على رسول الله ومن بعده تتنزل على الائمة عليهم السلام، قال سعید بن یسار: كنت عند المعلّى بن خنيس، إذ جاء رسول الصادق (عليه السلام) فقلت له: سله عن ليلة القدر، فلمّا رجع قلت له: سألته؟ قال: نعم، فأخبرني بما أردت وما لم أرد، قال (عليه السلام): إنّ الله يقضي فيها مقادير تلك السنة، ثمّ يقذف به إلى الأرض، فقلت: إلى من؟ فقال (عليه السلام): إلى من ترى يا عاجز _ أو يا ضعيف _. المصدر: بصائر الدرجات والمصدر من بحار الأنوار: ج٩٤، ص٥
في الكافي الشريف، ج1 كتاب الحجة - 41- باب فى شأن انا أنزلناه فى ليلة القدر وتفسيرها: عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلجوا، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله..
نفهم: أن الخلافة والولاية الفعلية هي للمعصوم وإن تسلّطَ الظالمون على الحكم واغتصب وظائفهم في الظاهر.. ولهذا احتج الامام الحسن ع بسورة القدر عندما اضطر الى الصلح مع معاوية، بأن ليلة القدر خير من مدة الف شهر مدة حكم بني أمية، وكأنه يقول ولايتنا في السماء أهم من ولاية الأرض.. والرواية ينقلها العامة قبل الخاصة /
تفسير ابن كثير : قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال : سودت وجوه المؤمنين - أو : يا مسود وجوه المؤمنين - فقال : ( لا تؤنبني، رحمك الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) يا محمد يعني نهرا في الجنة، ونزلت : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد. قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر، لا تزيد يوما ولا تنقص يوما.
ومن هنا نعرف بأن قيام الدولة على الأرض لا يمكن فصله عن وحي السماء، يقول السيد محمد باقر الصدر: من ناحية تكوٌُّن الدّولة ونشوئها تاريخياً نرفض إسلاميّاً نظريّة القوّة والتغلّب، ونظريّة التفويض الإلهيّ الإجباريّ ونظريّة العقد الاجتماعيّّ ونظريّة تطوّر الدّولة عن العائلة، ونؤمن بأنّ الدّولة ظاهرة نبويّة وهي تصعيد للعمل النبويّ بدأت في مرحلة معيّنة من حياة البشريّة.
ويقول قدس سره: ظلّ الأنبياء يواصلون بشكل وآخر دورهم العظيم في بناء الدّولة الصالحة. وقد تولّى عدد كبير منهم الإشراف المباشر على الدّولة كداوود وسليمان وغيرهما. وقضى بعض الأنبياء كلّ حياته وهو يسعى في هذا السبيل كما في حالة موسى عليه السلام.