تحريك وتوجيه العاطفة وإستدامة زخمها والتحكّم بها وإستثمارها لصالح قضية معيّنة .. من الفنون والمهارات التي تحتاج الى إمكانيات ومواهب خاصة ، بالإضافة لحاجتها إلى الخبرة وطول الممارسة وبما يتناسب مع أهميّتها وخطورة نتائجها ..
قد يكون مصطلح ومفهوم " الذكاء العاطفي " والذي يتم تداوله في الوقت المعاصر منسجماً مع ما نريده من هذا المقال ، حيث يعرّف الذكاء العاطفي بأنه : قدرة الشخص على تحديد وإدارة عواطفه ومشاعره ومشاعر الآخرين كذلك ..
والقضيّة الحسيّنية من أهمّ وأوسع مجالات هذا النوع من الفن والإدارة ، كون العاطفة وإثارة المشاعر من أركانها الأساسية وأنها تحمل تاريخاً ورصيداً متراكماً وبما يقرب ال ١٤٠٠ عاماً من الخبرة والإشتغال ..
وأستطيع القول أن المشتغل بإحياء القضية الحسينية يقع على عاتقه مسؤولية التركيز على مسألة السيطرة والتحكّم بعواطفه وعواطف الجمهور المتفاعل معه وتوجيه إشعاع حرارة تلك المشاعر الهائجة نحو هدفها وغايتها الصحيحة .. أكثر من مسؤولية أصل إشعال تلك الحرارة وتوليد شرارة إيقادها .. كون كربلاء بطبيعتها عبارة عن فاجعة وظليمة تهزّ الضمير البشري وتعزف على جميع الأحاسيس الجياشة للإنسان .. فهو- المشتغل بالإحياء - وبنسبة كبيرة مسدود الحاجة والمؤونة من هذه الناحية .
فلو أُطلق عنان العاطفة والحزن في شعائر أبي عبدالله الحسين ع فإنها قد تؤدي إلى نتائج وخيمة ، تارةً على صحّة وحياة الشخص المفجوع وأخرى على سلامة دينه وعقيدته ، كالوقوع في شرك الغلوّ أو ارتكاب المحرّم وما شاكل ذلك ..
ولهذا كان الخطباء والرواديد يدركون هذا المعنى ويقطعون النعي أو القصيدة في ذروة حماس الجمهور وشدة تفاعله .. بل هذا ما فعله الإمام الحسين ع مع أخته زينب ع في تلك المحاورة التي جرت بينهما ، فتقول الرواية بأن السيدة ( لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقته وخرّت مغشياّ عليها ) فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء وقال لها : ( يا أختاه ! اتقي الله وتعزي بعزاء الله .. ) .