ها قد حل شهر المحرم ناشرا أريج الحزن المقدس في الأرجاء والاجواء لتمتلأ بضوع عطره الصدور وتنكسر لفاجعته القلوب فتكون أقرب الى ﷲ تعالى وهو سبحانه عند المنكسرة قلوبهم ، وتكون الصق بالعقيدة المحمدية الحقة التي سقيت بذرتها بأقدس دماء .
ولقد جرت العادة في غالب الأعوام أن يبرز بعض أدعياء الحداثة عضلاتهم الحداثوية على شعائر عاشوراء التي لايتفاعلون معها عادة كما يتفاعلون مع المهرجانات الشعبية الأقل شأنا منها التي تجري في العالم ، كمهرجان الالوان أو مهرجان الطماطة والتي يغطونها إعلاميا بوصفها فلكلورا إنسانيا يبرز ثقافات الشعوب٠
ومع أن ابواب النقد والنقاش مشرعة للجميع لاسيما لهؤلاء الذين عادة مايهرفون بما لايعرفون ويطلقون الأحكام على ما لايفقهون ، فإن من حقنا ولوج باب النقد والنقاش المشرعة لنقول بأن أدعياء التحديث والتطوير هؤلاء لاتكاد تسمع صرخاتهم وعويلهم لتحديث المناهج العلمية والبحثية في مؤسسات ومراكز البحث والتعليم والتربية ، وكأنهم لايجدون مايستحق التحديث والتطوير إلا الشعائر فيرددون على ألسنتهم أكثر المفاهيم التباسا وجدلية وهو مفهوم الحداثة ، في محاولة لتوظيف هذا المصطلح لغايات آيديولجية وبراگماتية نفعية غير نزيهة، واستثماره لايصال رسائل موجهة الى فئة الشباب خصوصا لإعادة ترتيب أولويات هذه الفئة المستهدفة لحساب الطرف الآخر المقابل للدين والقيم الأخلاقية في ميادين الاحتدام الحضاري المستعر بين الشذوذ والعفة ، وبين الانحراف والاستقامة ، وبين التحلل والالتزام والتوازن والانفلات ، مستغلين آليات العولمة الثقافية المتاحة للجميع في محاولات تسريب هذه المفاهيم والمصطلحات بصورة مشوهة الى منطقة اللاوعي عند الشباب ، غير أن شبابنا بحمد ﷲ ومهما عملت المعاول على هدم الأخلاق والفضيلة واختراق الحصن لتسريب أمواج الفتن والرذيلة كقطع الليل المظلم ، ما أن يحل شهر المحرم حتى تلوح سارية سفينة الحسين(ع) لأنظارهم بعاشوراء جديد ، فيضيء مصباحها وسط ظلمات البحر مشيرا لهم بالركوب فيبطل ﷲ تعالى بالحسين (ع) مكر الماكرين وتدبير المفسدين .
ومن الظريف والغريب أن جماعة (الحداثة) من منتقدي الشعائر ينظرون الى ممارسات الشعوب الأخرى - الدينية منها والاجتماعية - بنظرة إيجابية ، أو على الأقل بحيادية من باب احترام ثقافات الشعوب وتراثهم وخصوصياتهم ، والتي من المفروض أن تتحلى بها مدرسة (الحداثة) كما يدعي أصحابها من احترام التنوع وتعدد الثقافات ، لكن حينما تصل القضية الى الشعائر الحسينية- وهي شعائر روحية تربوية- تخرج عن كل هذه العناوين ويتعاملون معها بسخرية واستخفاف ، والاغرب والاكثر ظرافة من ذلك أن هؤلاء يبدون الاحترام لتراث وثقافات الشعوب في التعبير عن افراحها واحزانها في الوقت الذي قد تنطوي تلك الثقافات على أغرب الممارسات التي يصل بعضها الى حد التنافي مع الفطرة والعقل ، ورغم ذلك لايرون فيها مايتنافى مع العصر والمدنية كما يحكمون بذلك على الشعائر الحسينية ! والحكم على مثل هذه النظرة الازدواجية غير النزيهة متروك للقاريء الكريم .