المحافظة على خصوصية شهر رمضان مما ركّز عليه النص الشرعي كثيراً، فلهذا الشهر الفضيل من الميزات والفرادات ما يجعله مختلفاً عن سائر الشهور، بأيّامه ولياليه، عباداته ومعاملاته، فضائله وأحكامه وجميع ما يرتبط به..
ولعلّ خصوصية الإمساك عن الأكل والشرب هي الصفة الغالبة على أحكام والتزامات هذا الشهر بحيث أخذت منّا المساحة الأكبر من الاهتمام من بين اهتمامات كبيرة وواسعة مترتبة علينا فيه..
وهذا من الثقافات الإسلامية الخاطئة والتي زُقّت بها مجتمعاتنا الإسلامية زقّاً للأسف الشديد وأصبحنا أُسارى لها في الحقيقة إلى الدرجة التي يصعُب الإفلات من قبضتها.. كثقافة الصلاة فرادى أو ثقافة قراءة القرآن في شهر رمضان فقط أو التهاون بالواجبات المالية، او غياب الإسلام في تجارتنا وصناعتنا ومناسباتنا.. الخ
ولعلّ فصل الفقه عن الآداب والأخلاق الإسلامية عزز هذا الأمر وحصر الإهتمام بما يؤدّى به الواجب الشرعي ويسقطه من الذمّة، فباتت الرسالة العملية والأجوبة على المسائل الشرعية خالية إلّا مما تنص عليه الوظيفة الفقهية - إلا ما ندر -.
ولو استقرأنا الكثير من النصوص الشرعية لوجدنا أنها تجعل مدار بعض التكاليف الشرعية يدور مدار تلك الأغراض والخصوصيات والاداب والمستحبات التي تحفُّ بها، فنفهم من الصلاة في القرآن الكريم مثلاً أن لها جزءاً آخر، وهو النهي عن الفحشاء والمنكر ( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ )، وأن للصوم جزءاً آخر غير الإمساك عن المفطرات وهو التقوى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ )، والصدقة والزكاة والخمس لها جزء آخر وهو التزكية ( خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ ).. وكذلك مناسك الحج (لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ) في إشارة الى ما يُذبح من الهدي.. الخ
الخلاصة، أننا قد نؤدي العمل والتكليف ولكن نخسر الأغراض والمصالح، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام): سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) امْرَأَةً تَسُبُّ جَارِيَةً لَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِطَعَامٍ، فَقَالَ لَهَا: " كُلِي "! فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ !!، فَقَالَ: " كَيْفَ تَكُونِينَ صَائِمَةً وَقَدْ سَبَبْتِ جَارِيَتَكِ ؟! إِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
تقبل الله صيامكم وطاعاتكم ووفقكم في هذا الشهر الفضيل لكل خير وبركة.