لا بُدَّ أنْ نرحّبَ بالسنة الجديدة التي تحلُّ علينا بعد أيام، فأهلا سنة 2024، متمنياً أنْ تكون سنة تطلُّ علينا من نافذة الأمل والتفاؤل، ووداعاً سنة 2023 التي نعترف أننا لم نندم على أي شيء عشناه فيها، فكلنا فرحون بالتجارب الكثيرة التي علمتنا أشهرها وأيامها، فالقلب والعقل كفتا الميزان اللتان تدلان على نمط الشخصيَّة، وبهما تتفاوت التجارب من شخصٍ لآخر، وبهما نصبر ونواجه. علمتنا سنة 2023 أنَّ للمحبة سبباً، وللعداوة ألف سبب، ومهما حاولنا أنْ نفهم تلك الأسباب، لكننا لم فهم، مكتفين بمعرفة عدونا، وميزنا بينه وبين الصديق، وعرفنا أنَّ المشكلة ليست في من يعارضنا، بل في من يجارينا، ولم نستغرب معرفتنا أنَّ أفضل صديق قد يصبح أسوأ عدوٍ، وأسوأ عدوٍ قد يصبح أفضل صديق، وفي أوقات لا نعرف مداها، قد نصبح أسوأ أعداء أنفسنا! ففي السنة التي نحن في ضيافة آخر أيامها، شهدنا أوقاتاً مات فيها يأسٌ وعاش فيها أملٌ، وابتسمت شفاه ودمعت أعين، خان فيها صديقٌ وأخلص عدو، أيام تجددت فيها الحياة، ولم تمض الأشياء فيها كما أردنا، فالفصول تتغير، ومن تجاربنا تعلمنا، ومع الزمن تتغير نظرتنا للحياة. كما بينت السنة المنصرمة وما قبلها من سنين، أنَّ لكل إنسان تجاربَ وحكاياتٍ، حافلة بالمتناقضات، الخير والشر، النجاح والفشل، السعادة والتعاسة، الإيمان والشك، الأمل والتشاؤم، الحب والكراهية، الصواب والخطأ، ومشحونة أيضاً بالقلق والحيرة. ومع الترحيب بقدوم سنة 2024 نشعر أنَّ وطننا، العراق الماسك بشراييننا، مثل المعشوقة، كلما نأينا عنها، سكنتنا، فاستوطنتنا واستحوذت على أرواحنا، وليس هناك بطولة أكثر من أنْ يمسكَ المرء جمرة نار عشقه للوطن، بيديه غير آبهٍ بالألم.. ويا له من ألم. أعلم أنَّ كثيرين مرّوا في حياتك في السنة المنصرمة، مثلما مرّ كثيرون في حياتي، وأجزم أنَّ الذاكرة الجمعيَّة الإنسانيَّة لا تحتفظ إلاّ بمن هم كرماء، بلا تبجح، فمن لا يكون كريماً لا يستحق أنْ يكون إنساناً، فالإنسان بلا كرمٍ ذاتي، كشجرة لا جذور لها ولا فروع ولا ثمار.. وكلي أملٌ أنْ تكون السنة الجديدة، ملأى بضياء الخيرات والبركة المستدامة، فأبناء الوطن هم الذين يفرشون الأفق أمامنا.