المفكرة الرمضانية5.. من ذاكرة شهر رمضان هجوم الوهابية على النجف عام 1225ه/1810م
لا شك أن المجتمع الذي تسوده القبلية والعشائرية تتحكم فيه جملة من التقاليد والأحكام ومنها ثقافة (الفزعة) أي نصرة الأخ وابن العم على أي أحد يعتدي عليهم أو العكس، إن يخرج أحدهم إلى نصرة أخيه وابن عمه أو حتى صديقه ظالما كان أو مظلوما، وهذا ما يعده بعض منا نوعا من الشهامة في نصرة الآخرين لاسيما الأقارب
ظلت هذه العادة وهذا التقليد حتى يومنا الحاضر، فالأخ يفزع لأخيه وأقاربه وأصدقائه و...إلخ، وهذا كله بدافع عاطفي وكأن أحدا ما بداخله يقول له: لا بد أن تفزع وتحارب من فعلان لئلا يقال عنك: جبان، أو متخاذل، وهذا ما انعكس سلبا على ما يقال عن الإمام العباس عليه السلام، في القصائد واللطميات، لاسيما المنبرية منها، فعادة الفزعة أو نصرة الأخ عند المجتمع العشائري انسكبت على شخصية الإمام العباس عليه السلام،فإنك لا تسمع قصيدة أو لطمية عنه إلا وهي تصور لك العباس عليه السلام الشخص العصبي الثوري، الغاضب الذي لا يحتمل الكلمة، تصور لك خروجه مع أخيه الحسين عليه السلام لأنه أخوه، ولان الحسين محاصر وسوف يقتل، تصور لك العباس ذلك الشخص الذي خرج مع أخيه لا لشيء بل لان أخوه في المعركة، وهو بحاجة إلى النصرة، خرج بدافع الأخوة وهو ما دفع العباس عليه السلام إلى الالتحاق بأخيه.
تصور لك العباس بأنه بلا رؤية ولا وعي -حاشاه- وهذا كله بسبب إسقاط ما يعيشه المجتمع العشائري إزاء عادة الفزعة على شخصية الإمام العباس عليه السلام، وهذا في الواقع تجري وتجني عليه سلام الله عليه، بل ومسخ لشخصيته العملاقة شخصيته الخلاقة الوفية الواعية المدركة التي ادركت ماذا تريد ولماذا سارت مع الحسين عليه السلام.
فهو القائل: إني أحامي أبدا عن ديني ، ولم يقل عن أخي أو ابن عمي، أو أختي، أو عيالي وغير ذلك، بل أحامي عن (ديني) فالدين هو المهم، فإن كان الدين متمثل بالإمام الحسين فالدفاع عن الحسين هو دفاع عن الدين، ولو لم يكن كذلك لما خرج العباس مع أخيه، ولكان كـ(عمر الأطرف) أخ الحسين عليه السلام من أبيه، الذي تخلف عن الحرب وعن نصرة أخيه الحسين عليه السلام.
إذن، العباس عليه السلام يجب أن يكون أعلى وأكبر وأنزه مما يقال عنه في المنابر، فليس هو (شيخ الزلم) ولا (سبع الكنطرة) ولا (عضيد اخوه) وإن كانت تلك المسميات تليق به وهو حقيق بها، ولكن تغيب الجانب الحقيقي من شخصية الإمام عليه السلام، فهو النافذ البصيرة، كما عبر عنه مولانا الصادق عليه السلام، فأين النافذ البصيرة من (شيخ الزلم)؟!
الحكم لكم.