البحث المتقدم

البحث المتقدم

جهاد النفس ..

0 تقييم المقال

 

روي عن الإمام الصادق "عليه السلام": ((مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ قَلْبِهِ، وَزَاجِرٌ مِنْ نَفِسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيْنٌ مُرْشِدٌ، اسْتَمْكَنَ عَدُوُّهُ مِنْ عُنُقِهِ)). (وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٥ ص١٦٢، كتاب (الجهاد)، أبواب (جهاد النفس وما يناسبه) الحديث ٦.

     إنَّ في الحديث الشريف موضوعات مهمة ينبغي للمؤمن المجاهد لنفسه أنْ يكون على بينة منها من جهة، ويحاول العمل على إيجادها في نفسه من جهة أخرى، ويمكن بيان الآتي إيجازًا:

١-  إنَّ الحديث يؤكد على أمور ثلاثة مهمة من الضروري أنْ يلتفت إليها المؤمن ولا يغفل عنها، ويعمل على أنْ تكون حاضرة عندها؛ لئلا يتمكن عدوه منه، وهذه الأمور الثلاثة لها علاقة بـ(القلب، والنفس، والصاحب) وهي مما لا يمكن الاستغناء عنها بصورة عامة.

 

٢-  إنَّ الموضوع الأول الذي يؤكد عليه الحديث ما يتعلق بالموعظة وما فيها من آثار كبيرة في بناء الشخصية الإسلامية خاصة، بل الشخصية الإنسانية عامة، فالموعظة يحتاجها الإنسان في التعامل مع الآخرين، وقد قال تعالى في بيان أنها من أحد مناهج الدعوة إلى الله تعالى: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: ١٢٥]، فالموعظة التي يحتاجه المجاهد يجب أنْ تكون صادرة من القلب، معتقد بها وراسخة فيه، وهذا يحتاج إلى (قلبٍ واعٍ)، فالقلب الواعي هو المؤهّل أنْ يكون واعظًا لصاحبه، وموضوع القلب موضوع كبير ويحتاج إلى لقاءات خاصة.

 

٣- إنَّ الموضوع الثاني الذي أكد عليه الرواية المباركة يتعلق بالنفس عندما تكون في حالة الوعي لما يصيب المؤمن المجاهد من ضعف في مواجهة اللذات والشهوات المحرمة، أو عند الغفلة عن بعض الحقائق التي يجب عدم الغفلة عنها، والتي يمكن أنْ تكون سبيلًا للشيطان ينفذ من خلالها، فالنفس في حالة اليقظة تجاه ذلك، وتؤدي دور الراعي المحافظ لصاحبها من كل زلل وهفوة، وهذه هي حالة (النفس المطمئنة) في قمة إبداعها ووصولها إلى الأمان، وهي التي آمنت بوعد الله تعالى ووثقت بأمانه ونجاته ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر: ٢٧-٢٨]، وهذا يحتاج إلى بذل جهد وجهاد كبير للوصول إلى هذه الحالة من الاستقرار، حيث يتم تشخيص العيب والسوء الظاهري والباطني فتؤدي النفس دورها في الجر والمنع من المعصية.

 

٤-  إنَّ الموضوع الثالث الأخير له علاقة بعامل خارجي له أثر في إعانة المؤمن المجاهد على أداء رسالته، والحذر من الخلل والعيب فيها، وهو (الصاحب) الذي يعرِّف صاحبه ما يعيبه وما يؤدي إلى الضرر فيه لأمر دنيوي أو أخروي، فقرين الخير يدلُّ قرينه على مواطن الخير، وفي ذلك نوع من أنواع البناء المجتمعي الصالح، حيث يختار الإنسان القرين الذي ينفعه بصدق من دون سواه من جهة، ويكون أساس بناء العلاقة بينهما قائم على طاعة الله ورضاه حيث تنفع تلك العلاقة في كواطن كثيرة ((الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)) [الزخرف: ٦٧]، وهذا يوجب على الفرد والأسرة والمجتمع مراعاته، فكم من قرين صالح أنجى صاحبه من الزلل والمعاصي بنصيحته، وكم من قرين سوء أهلك صاحبه في الزلل والمعاصي بغروره.

 

٥-  إنَّ الحديث في ختامه يحذر المؤمن المجاهد من التهاون بالتحلي بهذه الأمور الثلاثة، وعدم الاعتناء بها والعمل عليها من عاقبة سيئة جدًّا، وهي الوقوع في (حبال الشيطان) الممدودة في كل طريق، في الظاهر والباطن كما خاطب إبليس اللعين المولى عز وجل: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)) [الأعراف: ١٦-١٧]، فهذا العرض القرآني يصوِّر للمؤمن مدى المواجهة والتحدي لأجل غوايته وإضلاله حتى في مراحل متقدمة من الإيمان كما قال تعالى: ((وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [النحل: 94]، فعلينا أنْ نكون على حذر شديد من هذه العاقبة الوخيمة لا سمح الله!!

 

 أخيرًا  ..

    إنَّ جاهد النفس هو طريق شائك وطويل، ولا يمكن للمؤمن المجاهد من النصر إلا بمواصلة ذلك الجهاد ظاهرًا وباطنًا، آناء الليل وأطراف النهار، وعدم الغفلة أبدًا، فضلًا عن المعرفة التامة بالعدو وسلاحه وجنوده وخطواته، وهذا لا يكون إلى بالاستعداد والتوفيق والتسديد الإلهي.

نعم
هل اعجبك المقال