البحث المتقدم

البحث المتقدم

اللقب العشائريِ في الوظيفةِ العامةِ نعمةَ أمِ نقمةٍ

0 تقييم المقال

 

استقرتْ التعليماتُ النافذةُ عندَ تعيينِ أوْ تكليفِ أيِ شخصٍ في الوظيفةِ العامةِ للدولةِ على إدراجِ اسمهِ الثلاثيِ مقرونا بلقبهِ المثبتِ في البطاقةِ الوطنيةِ أوْ الجنسيةِ السابقة، سواءَ أكانَ هذا اللقبِ عشائريا أمْ عائليا أم مهنيا، متى ما كانَ مثبتا أصوليا. يعدُ هذا اللقبِ العشائري، مصدرَ فخرٍ واعتزازٍ لمنْ ينتسبُ إليه، وقدْ وردَ ذكرُ العشيرةِ في قولهِ تعالى: ( قلَ إنَ كانَ آباؤكمْ وأبناؤكمْ وإخوانكمْ وأزواجكمْ وعشيرتكمْ وأموالٍ اقترفتموها وتجارةً تخشونَ كسادها ومساكنُ ترضونها أحبُ إليكمْ منْ اللهِ ورسولهِ وجهادٍ في سبيلهِ، فتربصوا حتى يأتيَ اللهُ بأمرهِ واللهِ لا يهدي القومُ الفاسقين) سورةَ التوبة: الآيةُ (24 ) ، إلا أنَ بعضَ الموظفين العموميين، بدافعَ التفاخرِ والتباهي، يعمدونَ إلى إضافةِ ألقابٍ عدةِ، متتابعةٍ غيرِ مثبتةٍ في البطاقةِ الوطنيةِ أوْ الجنسية، متنقلينَ بينَ أكثرَ منْ عشيرة، أوْ يضيفونَ أحيانا انتماءاتهمْ الدينية، بقصدَ تعزيزِ مكانتهمْ الاجتماعيةِ أوْ زيادةِ الاحترامِ منْ قبلِ الآخرين.

     إنَ إدراجَ اللقبِ العشائريِ في الوظيفةِ العامة، ولا سيما في المناصبِ الوظيفيةِ العليا، قدْ يترتبُ عليهِ العديدَ منْ الإشكالات، لما يتيحهُ منْ فرصٍ للاستغلالِ منْ قبل ضعافِ النفوسِ عبرَ الزياراتِ والوساطاتِ التي يتعرضُ لها شاغلو تلكَ المناصبِ بحكمِ صلاتِ القرابة، كادعاءِ كونهِ «ابنِ العم» أوْ «ابنُ الخال» وما شابهَ ذلك، الأمرُ الذي يؤدي إلى إضعافِ هيبةِ الوظيفةِ العامةِ ، وعرقلةُ سيرِ العملِ المكلفِ الموظفِ العامِ بإنجازهِ ضمنَ ساعاتِ الدوامِ الرسميِ المحددة.

  الشيءُ بالشيءِ يذكر؛ إذْ قررتْ الحكومةُ العراقيةُ في سبعينياتِ القرنِ الماضي إلغاءً ذكرَ اسمُ العشيرة للموظفِ العام، والاكتفاءُ بالاسمِ الثلاثي، في خطوةٍ هدفتْ إلى الحدِ منْ الفسادِ الإداريِ وتعزيزِ مبدأِ الدولةِ المؤسسية، غيرَ أنها ما لبثتْ أنْ تراجعتْ عنْ هذا القرارِ لاحقا، نتيجةُ حاجتها إلى دعمِ العشائرِ في تمريرِ قراراتها السياسيةِ والإدارية.

      في ظلِ تفشي الفسادِ الإداري في الوقت الحاضر في بعض مؤسسات الدولة، تبرزَ الحاجةُ إلى الاكتفاءِ بذكرِ الاسمِ الثلاثيِ أوْ الرباعيِ للموظفِ العامِ دونَ اللقبِ العشائري، حمايةٌ لهُ منْ ضغوطِ الأقاربِ والمعارفِ، واستغلالِ المنصبِ، وللحدِ منْ هذهِ الممارسات، يجبَ منعُ الزياراتِ الأقارب أو الأصدقاء في أماكنِ العملِ ، عبرَ تعميمٍ واضحٍ منْ أعلى السلطات التنفيذية، كيْ تبقى المؤسساتُ أماكنَ عملٍ لا مجالس مجاملة.

 إن الوظيفةُ العامةُ وجدتْ للعملِ لا للعلاقاتِ العشائرية، وبهذا تصانُ هيبتها. ويستدعي ذلكَ تشريعا يمنعُ ذكرَ الألقابِ العشائرية،- خصوصا- للدرجاتِ العليا والعسكريةِ والأمنية، لمنعِ الوساطةِ والرشوةِ وسائرِ أشكالِ الاستغلالِ التي تسعى الدولةُ لمكافحتها.  وأستحضرُ هنا موقفا شخصيا عايشتهُ عندما كنتُ مرافقا لأحدِ الوزراءِ العراقيينَ البارزينَ في زيارةٍ رسميةٍ إلى إحدى الدول، فقدٌ بادرَ بالاتصالِ بابنتهِ المقيمةِ في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ليطمئنَ عليها، فجاءهُ ردها حاسما وصريحا: «أنا في وقتِ العملِ يا أبي، ولا يصحُ أنْ تتصلَ بي الآنِ » ، عندها بدأ عليهِ شيءُ منْ الحرجِ أمامي، وقالَ معلقا: تأملَ كيفَ كانَ ردُ ابنتي حينَ أردتْ الاطمئنانَ عليها؛ فبهذا النهجِ تبنى مؤسساتِ الدولة: باحترامِ الوقت، والالتزامُ بالعمل، والخضوعُ للنظام.

نعم
هل اعجبك المقال