المتمعن جيدا يرى أن المسيحية تُصاب باضطراب وهلع شديد كلما أُعلِنَ عن اكتشاف مخطوط جديد للإنجيل، وآخر هذه الأناجيل المكتشفة هو إنجيل برنابا وإنجيل دير (نجع حمادي). وأناجيل أخرى كثيرة ولكن تم اخفائهما أو اتلاف القسم الذي يحتوي على البشارة فقط، ولكن يأبى ألله تعالى إلا أن تظهر الحقيقة من بين بعض الأناجيل المعثور عليها فكان إنجيل برنابا أحدها حيث افتضح أمره ولم تستطع الكنيسة اخفائه أو اتلافه مع محاولات الفاتيكان المحمومة لشرائه حيث بذلت الملايين للحكومة التركية أو على الأقل السماح بدراسته. علما أن عدد المخطوطات التي تم اكتشافها ألوف مؤلفة كما يشهد بذلك علماء المسيحية ومن بينهم البروفيسور، أ. ت. روبرتس: (أنه يوجد نحو عشرة آلاف مخطوطة للفولجاتا اللآتينية، وعلى الأقل ألف مخطوطة من الترجمات القديمة، ونحو 5300 مخطوطة للعهد الجديد بكاملة، كما يوجد لدينا اليوم 24000 مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد). (1) كل هذه الأناجيل اخفيت بعناية فائقة، فلا يدري أحد على ماذا تحتوي واخفائها بهذه الصورة يدل على أن فيها شيئا لا يُريدون لأحد الاطلاع عليه. وقول البروفيسور (يوجد لدينا اليوم 24000 مخطوطة) فيه دلالات عميقة جدا. مع أن هذا الكم الهائل من الأناجيل مجهول الهوية فلا يعلم أحد من كتبها أو ترجمها ولذلك ينسبونها للمكان الذي يُعثر عليها فيه. ولكن بالرجوع إلى هذه الأناجيل نجد ما يلي.
الأول: لا يعرف أحدٌ من قام بتأليف هذا الكم الهائل من الأناجيل.
الثاني: لا يعرف أحد من قام بترجمتها فهي مؤلفات مجهولة لمترجمين مجهولين.
الثالث: بشهادة الأناجيل المزعومة نفسها فإنها تشهد بأنها قصص وأنها كلام انشائي وليست كلام وحي كما يقول لوقا في إنجيله: (إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة، رأيت أنا ايضا إذ قد تتبعت كل شيء بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلوس). (2) لا بل أن سفر أعمال الرسل يذكر أيضا أن هذه الأناجيل هي من إنشاء التلاميذ وليست وحيا. (3) وبالرجوع إلى قاموس الكتاب المقدس يقول: (هو السفر الخامس من أسفار العهد الجديد. ويرجع إلى القرن الثاني الميلادي، والسفر معنون باسم رجل يُدعى ثاوفيلس، وأن الكاتب لم يذكر اسمه). (4) وبهذه الشهادة يكون سفر أعمال الرسل وكذلك إنجيل لوقا قد كُتبا بعد مئتين عام من رحيل السيد المسيح وهما قصص إنشائية وليست وحيا.
وسط هذه الفوضى كلها وردت نصوص تعلن البشارة بنبي قادم والتي وردت على لسان يوحنا المعمدان والسيد المسيح (ع) ولازالت موجودة في الأناجيل الحالية المعتمدة، ولكن إسم المبشّر به (محمد) اختفى منها، فورد نص البشارة خاليا فيها، أو مبهم.
النص الأول يقول أن السيد المسيح بشرهم قائلا: (الذي يأتي بعدي، صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه). (5)
وفي نص آخر قال يقول: (يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه). (6)
ولم يكن المسيح وحده من بشّر بذلك، فهذا يوحنا قبل أن يُقتل كما ينقل لنا لوقا بأنهُ قال نفس البشارة (أجاب يوحنا الجميع قائلا يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه). (7)
إذن نرى في هذه النصوص (الثلاث) البشارة بشخص (رفعوا أو ابهموا اسمه) سوف يأتي بعد عيسى، كقولهم: (يأتي بعدي). وقول يوحنا (يأتي من هو أقوى مني). ولكن من هو هذا الآتي؟ لا أحد يعرف، ولكن بالرجوع إلى إنجيل برنابا نجد النصوص الثلاث بعينها وبحذافيرها، ولكن ورد فيها إسم الشخص المُبشّر به (محمد رسول الله). وما يُدرينا لعل ألوف الأناجيل المخفيّة ايضا تحمل اسم النبي القادم ولكن تم اخفائها بعناية.
فلو اضفنا أو أرجعنا اسم (محمد) المذكور في إنجيل برنابا إلى نصوص الأناجيل الحالية التي تعتمدها المسيحية لاستقام ذلك وبانت حقيقة الشخص المجهول الآتي بعد عيسى، ولا تضحت حقيقة خطيرة مفادها أن أهم تحريف وقع في الإنجيل هو حذف إسم (محمد) المُبَشّر به، وبذلك يصبح النص كما يلي: (يأتي بعدي من هو أقوى مني ــ محمد رسول الله ــ الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه). هنا جمعنا بين نص برنابا وقول المسيح في يوحنا الخالي من ذكر محمد.
وكذلك لو فعلنا نفس الشيء في النص الذي ورد عن يوحنا المعمدان ورددنا الاسم الذي ذكره برنابا لأصبح النص هكذا: (أجاب يوحنا الجميع قائلا يأتي من هو أقوى مني ــ محمد رسول الله ــ الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه).
فكلام برنابا هو نفس قول السيد المسيح وقول نبي الله يوحنا وبشارتهما ونقله برنابا كما سمعهُ منهم، فبرنابا ليس لهُ مصلحة في وضع إسم (محمد) في النص لأنهُ لا يعرف من هو محمد، ولكنهُ فعل ذلك لأنهُ سمع اثنين من أنبياء الله يذكرانه فنقل النص كما سمعهُ، وحافظ عليه وضحى من أجل ذلك.
لقد كان زكريا وابنه يوحنا (يحيى) آخر الأنبياء في سلسلة أنبياء بني إسرائيل وقد خُتمت بهما رسالة موسى، ثم استلمها السيد المسيح عليه السلام منهم، مُبيّنا أنه لم يأت لكي ينقض رسالة موسى (الناموس) بل ليُكملها أيضا كما فعل زكريا ويوحنا وهذا ما نراه يلوح في كلام عيسى (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس. ما جئت لأنقض بل الأكمل). (8) هؤلاء كلهم شهدوا بأنهم يحملون البشارة بنبي قادم بلغ من مقامهُ عندهم على عظيم شأنهم أنهم يفخرون لو سمح لهم (محمد) أن يحلّوا سيور حذائه. ولكن لمّا كتب اليهود الأناجيل واعادوا صياغتها من جديد بعد رحيل عيسى، حرصوا على حذف إسم (محمد) مع أنهم يعرفونه باسمه وشكله ومواصفاته فهم (يعرفونه كما يعرفون أبنائهم). (9) ولكن برنابا حافظ على الأمانة وعند اشتداد الحملة على المسيحية حمل برنابا إنجيله واختفى في مسقط رأسه في جزيرة قبرص ولم يظهر له أي أثر إلى أن تم العثور على نسخة من إنجيله في مكتبة الفاتيكان فسرقه أحد الرهبان ونشره. ثم عثروا في نواحي قبرس في الجانب التركي على كهف وجدوا فيه هيكل عظمي لشخص وحوله بعض الأثار القديمة وكتاب موضوع على صدره وهو إنجيل برنابا الأصلي الذي عرض الفاتيكان من أجله الملايين، ولكن تركيا حفظتهُ في متحف استنبول كإرث وطني. (10)
كما هو معروف عن الأنبياء فإنهم يتكلمون بغاية الوضوح ولا ينطقون إلا الحق ومن هنا نرى عيسى عليه السلام يقول عن النبي القادم بعده (أقول لكم الحق: إنهُ خيرٌ لكم أن أنطلق، لأنهُ إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن ذهبت أرسلهُ إليكم، ومتى جاء ــ ذاك ــ روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنهُ لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به). (11) في هذا الكلام المنسوب إلى السيد المسيح فإن النص يُبهم إسم الشخص الذي سيأتي بعد المسيح فتارة يطلق عليه (المعزي) وآخرى يقول (ذاك) فقول السيد المسيح (متى جاء ذاك روح الحق) كلام غير مفهوم من هو (ذاك؟) وهذا يعكس لنا الأهداف الخبيثة للأيادي التي تلاعبت بهذا النص، ولكننا لو وضعنا الاسم الذي ذكره برنابا أيضا في هذا النص لاستقام واصبح واضحا مفهوما وارتفع الإبهام عنه ، فيصبح النص هكذا (أقول لكم الحق: إنهُ خيرٌ لكم أن أنطلق، لأنهُ إن لم أنطلق لا يأتيكم رسول الله، ولكن إن ذهبت أرسلهُ إليكم ، ومتى جاء ــ محمد رسول الله ــ روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنهُ لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به). هذا النص الذي ذكره برنابا هو الذي يُليق بالنبي عيسى وهذه هي البشارة التي وردت في إنجيله. وتُليق أيضا بأبن خالته يوحنا بن زكريا. لأن عيسى لا يخشى في الله لومة لائم كما يصفه إنجيله (أنك صادق وتُعلِم طريق الله بالحق، ولا تُبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، بل بالحق تُعلّمُ طريق الله). (12)
استخدم السيد المسيح ومن اجل بيان الحق لغة الأمثال لإفهام الناس وتوضيح الأمور وتبسيطها لهم، وهذا هو أسلوب السيد المسيح فيقول الإنجيل عن السيد المسيح (وكان يُكلم الجمع بأمثال كثيرة، وبدون مثل لم يكن يُكلمهم). (13) وهذا أيضا أسلوب قرآني (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يعقلون). (14) فلم يستخدم الأنبياء الابهام في كلامهم أبدا بل كانوا ينطقون بالحق ويوضحونه بالأمثال، وهذا هو الأدب الإلهي (ويضرب اللهُ الأمثالَ للناس، والله بكل شيء عليم). (15)
وفي باب البشارة بنبوة النبي القادم بعده، ابتدأ السيد المسيح تبليغ قومه بالإشارات الواضحة كما يقول: (كان النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان آتيا إلى العالم. كان في العالم، ولم يعرفهُ العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبلهُ، وأما الذي قبلوه فأعطاهم أن يصيروا المؤمنون باسمه.. هو الذي قلتُ عنهُ: إن الذي يأتي بعدي صار قدامي، لأنهُ كان قبلي. فسألوه وقالوا له: فمن تكون أنت إذا لم تكن المسيح ولا إيليا ولا النبي؟ فأجابهم قائلا: لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدي، صار قدامي، الذي لستُ بمستحق أن أحل سيور حذائه.. ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق). (16) وكما فعلنا مع النصوص السابقة في إرجاع الاسم المحذوف سنفعل ذلك في هذا النص لكي يستقيم ونرفع الابهام عنه فيصبح النص مطابقا لما ورد في إنجيل برنابا: (كان النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان آتيا إلى العالم. كان في العالم، ولم يعرفهُ العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبلهُ، وأما الذي قبلوه فأعطاهم أن يصيروا المؤمنون باسمه.. هو الذي قلتُ عنهُ: إن الذي يأتي بعدي صار قدامي، لأنهُ كان قبلي. فسألوه وقالوا له: فمن تكون أنت إذا لم تكن المسيح ولا إيليا ولا النبي؟ فأجابهم قائلا: لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدي، صار قدامي ــ محمد رسول الله ــ الذي لستُ بمستحق أن أحل سيور حذائه.. وليهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق).
ثم لنا عيسى اسباب بعثته وهي التمهيد لمجيء آخر الأنبياء فينقل برنابا عنه قوله: (وقد جاء الأنبياء كلهم إلا رسول الله الذي سيأتي بعدي لأن الله يريد ذلك حتى أهيء طريقه). (17) وقد كرر السيد المسيح قوله هذا في أكثر من موضع كما نقرأ: (أجاب يسوع: لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا، أما من خصوصي فأني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي. فمتى جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي). (18)
وهكذا بدأت تتكشف لنا الحقائق المرّة في التحريف والتغيير والحذف الذي حصل في الكتاب المقدس ولكن مع ذلك فإن هناك تشابه كبير بين نصوص الإنجيل وما ورد في القرآن والحديث النبوي حول مزايا النبي القادم ففي الفصل الثاني والستون بعد المئة من إنجيل برنابا وبعد ان ذكر السيد المسيح اسم محمد كثيرا ورددهُ أمام التلاميذ كثيرا سألوه: (أجاب التلاميذ: يا معلم من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي إلى العالم؟ فأجاب يسوع بابتهاج قلب: إنه محمد رسول الله، ومتى جاء إلى العالم فسيكون ذريعة للأعمال الصالحة بين البشر بالرحمة). (19) وهذا ما نراه يلوح في القرآن الكريم في قول الله تعالى لنبيه محمد (ص): (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). (20) وكذلك قول الرسول (ص) : (إنما أنا رحمة مهداة). ولذلك خاطبه تعالى بقوله: (وما كان الله ليُعذبهم وأنت فيهم). (21)
المصادر:
1- كتاب ، وقرار . تأليف جوش ماكدويل ترجمة الدكتور القس منيس عبد النور ص : 44.
2- إنجيل لوقا 1 ــ 4.
3- سفر أعمال الرسل 1 : 1.
4- قاموس الكتاب المقدس،دائرة المعارف الكتابية المسيحية ، شرح كلمة سفرأعمال الرسل.
5- إنجيل يوحنا 1: 27.
6- إنجيل لوقا 3: 16.
7- إنجيل لوقا 3 : 16.
8- إنجيل متى 5 : 17.
9- سورة البقرة آية : 146. (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون).
10- نسخة إنجيل برنابا التي تم العثور عليها مؤخرا عند بعض المهربين وهي مكتوبة باللغة السريانية عُثر عليها في منطقة حكاري في جبال تركيا في كهف بالقرب من أولودراي سنة 1984 حيث أثبتت الدراسات والاختبارات بأن هذه النسخة يعود تاريخها إلى زمن المسيح أي قبل ألفين عام أو أقل بقليل ، وفي سنة 2004 حاول بعض المهربين تهريبها ولكن الكَمارك التركية ألقت القبض عليهم. وقد عرض الفاتيكان الملايين لشرائها أو دراستها ولكن تركيا رفضت ووضعتها في المتحف كإرث وطني.وقد زعم بعض المسيحيين بأن إنجيل برنابا كتاب تم تأليفه في الأندلس في زمن الإسلام ولكن ورد التصريح بإنجيل برنابَا في الجزء الثاني من دائرة المعارف الاءنجليزيّة، الطبعة الثالثة عشر، ص 180، مادّة اپوكريفَل لتريچر، فقال : (ونهي البابا جلاسيوس الاوّل عن مطالعته). وكان تأريخ جلوس جلاسيوس علي كرسي البابويّة سنة أربعمائة واثنتين وتسعين الميلاديّة، أي قبل الهجرة بمائة وثلاثين سنة، وقبل بعثة خاتم الانبياء صلّي الله عليه وآله وسلّم بمائة وثمانية عشر عاماً.
11- إنجيل يوحنا 16 : 7 ـ 13
12- إنجيل متى 22 : 16.و : إنجيل مرقس 12 : 14.ولربما سبب قتل يوحنا ليس بسبب راقصة القصر كما يُشيعون ، بل بسبب بشارته بنبوة النبي القادم، فليس من المعقول ان يقتل قيصر دولة مترامية الأطراف نبيا بسبب منعه من الزواج من راقصة. لابد أن القيصر شعر بالخطر من شيء قاله يوحنا، فقرر اسكاته.
13- إنجيل متى 13 : 34.
14- سورة الحشر آية : 21.
15- سورة النور آية : 35.
16- إنجيل يوحنا 1 : 9 ـ 27.و: إنجيل يوحنا 18 : 37.
17- إنجيل برنابا الفصل الخامس والثلاثون.
18- الفصل الحادي والسبعون. و: الفصل الثالث والعشرون بعد المائة.وهذا النص نفسه موجود في إنجيل متى 24 : 11. فيقول السيد المسيح : (يقوم أنبياء كذبة كثيرون ويُضلون كثيرين).
19- الفصل الثاني والستون بعد المئة، إنجيل برنابا ، ترجمة الدكتور خليل سعادة ، منشورات دار الحكمة.
20-سورة الأنبياء آية : 107.
21- سورة الأنفال آية : 33.