(يخطر ببالي - انّي قرأتُ أو سمعتُ - كلمة لا أتذكر مصدرها وهي: إنّ تأليف كتاب جديد أيسر من إعادة النظر في تحقيقه من جديد. وربما كانت هذه الكلمة مأخوذة في معناها من مقالة للجاحظ في مشقّة تصليح الكتب حيث قال:
ولربما أراد مؤلّف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص، حتى يردّه إلى موضعه من اتصال الكلام، فكيف يطيق ذلك المعارض المستأجر. وأعجب من ذلك أنّه يأخذ بأمرين: قد أصلح الفاسد، وزاد الصالح صلاحاً، ثم يصير هذا الكتاب بعد ذلك نسخة لإنسان آخر.
وما ذكره الجاحظ حقيقة فعليّة يعانيها كل محقّق، ومع ذلك فإنّ المؤلّف أو المصنّف حرّ في تصرّفه، فهو يختار لنفسه الطريقة التي يسلكها، والمادة التي يبحثها، والموضوع الذي يؤلّف فيه، فهو حرّ في تصرّفه مع ما يكتب كمّاً وكيفاً. أمّا المحقّق فهو مقيّد لطريقة صاحب الكتاب المراد تحقيقه، وملتزم بسلوك نهجه فيه خطوة خطوة، وربما كان عمل المحقّق كفاء عمل المؤلّف إن لم يرجح عليه. وبالتالي إنّ حال صاحب الكتاب مهما كان عند مراجعته لكتابه مرّة ثانية، هي أيسر من حال محقّق لم تكن صلته بالكتاب إلّا صلة علميّة فحسب، وعليه مراعاة الأمانة.
ومهما تكن تلك المهمّة صعبة فلا بدّ لي - وأنا مصمّم على تحقيق الكتاب - أن أسعى جاهداً لإخراجه نصّاً صحيحاً بالصورة التي اختارها المصنّف لكتابه وأخرجها من قلمه، ثم التعليق عليه بما تستدعيه طبيعة العمل).
المصدر: (موسوعة ابن إدريس الحلي: 1 / 75 -76)
هذا ما كتبه السيد محمد مهدي الخرسان أحد أعمدة التأليف والتحقيق في التاريخ والتراث الإسلامي
وإليك نبذة من حياته:
هو (محمّد مهدي بن الحسن بن هادي بن موسى بن حسن الموسويّ الخرسان، ينتهي نسبه إلى أبي الفتح الأخرس بن أبي محمّد بن إبراهيم بن أبي الغنائم بن عبد الله بن أبي الحسن بركة بن أبي الحسن معصوم بن أبي الطيّب أحمد الأكبر بن أبي عليّ الحسن بن محمّد الحائريّ بن إبراهيم المجاب بن محمّد العابد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وُلد في النجف الأشرف عام 1347هـ، نشأ وتربى بين أبوين كريمين وقد أحسنا تربيته على الرغم من حالة الفقر والشظف التي كانت تعيشه عائلته فتعلّم في الكتّاب بعد أن تعلم على يد والدتها (رحمها الله)، وبعدها أُدخل في مدارس )منتدى النشر) ومن ثمّ تابع تحصيله الدراسيّ في أروقة الحوزة العلمية، فاجتاز مرحلة السطوح والبحث الخارج، إلى جانب ذلك المجالس العلمية التي تقام في النجف وفي بيت أسرته كان لها الأثر البالغ في تعليمه آداب المجالس والحديث مع المشايخ.
تخرج السيّد الخرسان (حفظه الله) على ثلّة طيبة من علماء الحوزة ومنهم:
- والده السيّد حسن الموسويّ الخرسان (1405هـ).
- السيّد محمود الحكيم (1375هـ).
- الشيخ محمّد رضا العامريّ(1422هـ).
- الشيخ محمّد عليّ التبريزيّ(1373هـ) .
- أبو القاسم الخوئيّ (1413هـ).
عالم جليل مجتهد وشاعر مقلّ وفاضل مؤرّخ محقّق متتبّع كثير البحث والمطالعة والكتابة.
يقول الشيخ الدكتور محمّد الحسون -في أحد لقاءاته مع وكالة أنباء الحوزة- عن السيّد الخرسان: >رجل عالم فاضل شاعر أديب له الكثير من المؤلّفات و الكثير من التحقيقات... السيّد الخرسان حسب ما شاهدته يتصف بصفتين قلّما يتصف بها الذين يهتمون بالتراث، الصفة الأولى هي حينما أنت تجلس إليه تشعر كأنك أمام مكتبة متحركة لديه من المعلومات الكثيرة ولا تتكلم أمامه عن أي كتاب أو عن أي موضوع إلا و يبدأ و يعطيك هذا الكتاب أين طبع متى ألف، في أي مكان طبع، من الذي حقّقه بحيث هو يعتبر دائرة المعارف عن التراث وعن الكتب.
أُجيز السيّد الخرسان في رواية الحديث من مجموعة من العلماء من الخاصة والعامة ومنهم:
- الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ (1389هـ) .
- السيد محمّد صادق بحر العلوم (1399هـ) .
- الشيخ حسن البنجوريّ(1395 أو 1396هـ).
- الشيخ عليّ البهبهانيّ (1400هـ).
- السيّد عبد الأعلى السبزواريّ (1414هـ).
والراوون عنه منهم:
- السيّد عبدالستار الحسنيّ (1442هـ).
- سلمان هادي آل طعمة .
- كامل سلمان الجبوريّ.
ولما كان للسيّد الخرسان الاهتمام البالغ بالتراث والتاريخ، وسعة الاطلاع، ووفرة المعلومات عن أغلب المعارف، فهذا ممّا لا شكّ سيجعله منتجًا لعددٍ غير يسير من المؤلّفات القيّمة في شتى الميادين، وإليك بعض ما كتب، وألّف، وحقّق، وقدّم:
- غريب القرآن.
- كتاب الشورى.
- المشجّر المبين فيمن ذكر في (منتقلة الطالبيين).
- معرب فرهنگ خاورشناسان : أي (معجم المستشرقين) مع تعليقات وزيادات كثيرة على أصله الفارسيّ.
- نشوة الأماني : أرجوزة في 78 بيتاً [1].
وكذلك ألّف:
- انتخاب الحسان من لسان الميزان .
- المختومين ب (ويه) : رسالة في تراجم الأعلام الذين تنتهي أسماؤهم بلفظ (ويه) مثل: سيبويه ، وخالويه ، وبابويه.
- موسوعة عبدالله بن عباس.
أمّا الكتب التي حقّقها:
- تذكرة الألباب بأصول الأنساب - تأليف الشيخ أبي جعفر أحمد بن عبد الولي (488هـ).
- روضة الواعظين- تأليف محمّد بن الفتال النيسابوريّ (508هـ).
هذا وقد قدّم السيّد للعديد من كتب التراث الإسلامي؛ منها:
- إكمال الدين للصدوق (381هـ).
- التوحيد للصدوق (381هـ).
- طبّ النبي (ص) لأبي العباس المستغفريّ (432هـ).
- طبّ الأئمة لابني بسطام (عبدالله والحسين).
- طبّ الرضا (ع).
لا نغالي إن قلنا أنّ شخصًا مثل السيّد الخرسان يتمتّع بكلّ هذه الثقافة والموسوعية والدقّة والنظرة النقدية العالية، بأن يكون له الشأن الأكبر والمكانة الفضلى -التي لا تتأتّى لأي شخص- بين الأوساط الدينية والعلميّة؛ لأنّ ما نتج عن يراعه يعدّ من نفائس ما ألّف ومن ركائز ما يُعتمد عليه في البحث والتفتيش عن دفائن التراث.