انتظر العالم بأسره حكومات وشعوبا - بدافع الاهتمام أو بدافع الفضول - تنفيذ اسرائيل تهديدها بالرد على الوعد الصادق الايراني الثاني، انتظار فرضته دواع مختلفة، حسب مواقف كل بلد من ايران، فالذين آمنوا بها وأيدوا نهجها، كانوا في طمأنينة تامة بعد الذي شاهدوه من عمليات الوعد الصادق الثاني، بأن إيران تمتلك من القوة الباطشة، ما يجعل أنصارها لا يخشون عليها أعداءها، مطمئنّون بأنّ عين الله ترعاها، ولو تحالف عليها شياطين الأرض، وعلى مدى تاريخها الحديث، كانت وفية لوعودها وعهودها، والذين استفزهم إعلام الغرب بزعامة شيطانته الكبرى أمريكا، اعتبروا أن ايران دخلت مغامرة ليست مضمونة، وسيكون الرد الإسرائيلي قاسيا مدمرا، سيثني إيران مستقبلا حتى على مجرد التفكير في رد آخر، بينما تابعنا على منصات الاعلام والتواصل الإجتماعي، تعابير الأعراب الأشد كفرا ونفاقا حكومات وأتباعا، قد فاحت من كتاباتها مشاعر الفرح والارتياح، بدأ من اغتيال قادة المقاومة، وانتهاء بهذا الرّدّ الذي نفّذته إسرائيل، وكانوا أكثر حقدا على إيران حتى من المستوطنين أنفسهم، فرُبّ صهيوني لا يعاب على حقده الذي اظهره، مقارنة بمن هو محسوب ضمن العرب والمسلمين، حين يظهر مثل هذه المشاعر المنحطة.
وأخيرا جاء الرد الإسرائيلي ليلة أمس - بعد طول مشاورات مع أمريكا – وكان في اعتقاد من تابع ضربات إيران الصاروخية، بأنّ إسرائيل استوعبت الدرس، وفهمت تماما أن إيران جادّة في وعدها ووعيدها، قويّة في بأسها إن أطلقته على أعدائها، على مقولة تمخّض الجبل فولد فارا، فهل كان ذلك مبلغ قدرة إسرائيل العسكرية؟ أم أنّه كما قال من قال إنّه استيعاب للدرس الإيراني الوعد الصادق 2 وتخوّف من الوعد الصادق 3؟ أم الاحتمال الأكثر رجاحة من الاثنين، وهو أنّ إيران تمتلك وسائل دفاع جوي قادرة على صدّ أي عدوان، تمكنت من إسقاط أغلب الصواريخ المستهدفة قواعدها ومنشآتها.
حسب ما ظهر من اعلام فإنّ القيادة الصهيونية ركبت رأسها، وقررت تنفيذ عدوانها على إيران، وهي غير مدركة أنّها تستعجل قدرها القادم لا محالة، ثم أعلنت (أنها نفذت ردها على إيران عبر أكثر من 100 طائرة بينها مقاتلات منها طائرات إف-35، فضلا عن مسيّرات.. وقال مسؤولون
إسرائيليون إن الهجوم على إيران بدأ بعد تمهيد بغارات على منظومات دفاع جوي بإيران بدأ بقصف بطاريات دفاع جوي ورادارات في سوريا والعراق)(1)
من عجائب هذا العدوان الصهيوني أنّه بحسب الناطق باسم جيشه، بدأ بتحييد رادارات بسوريا والعراق استمر نحو ثلاث ساعات ونصف، أسفر على استشهاد عنصرين إيرانيين وخسائر مادية بسيطة، حسب تصريحات الجانب الإيراني الذي اعتبر العدوان فاشل ولم يحقق شيئا مما كان يأمله الصهاينة، ولا وجد على أرض إيران ضرر يمكن أن يبرهن على أن غارات جوية حصلت ضد إيران واستهدفت منشآتها الحيوية، وخرج أهالي طهران يستجلون الخبر فلم يلحظوا شيئا، سوى أنهم سمعوا دوي انفجارات، سرعان ما عاد الوضع الأمني بعدها إلى طبيعته، سكون تام يخيم على العاصمة طهران
القاء نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العبرية كفيلة أن نلاحظ أن عدوان الكيان الصهيوني على إيران يوم السبت لم يقنع الرأي العام الإسرائيلي رغم كل الدعاية الإعلامية.
أفادت وكالة مهر للأنباء أن المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحيم اعترف في صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الإيرانيين سخروا من هذا الإجراء الإسرائيلي. كما أبدى متابعو هذا الخبير تعليقاتهم على هذه الخطوة، واصفين إياها بالفشل لإسرائيل.
كتب شاوي شاول تحت هذا المنشور: "أعتقد أن (هذا الإجراء الضعيف) كان التصرف الصحيح، لكن لماذا يكذب علينا نتنياهو؟ لقد وعدنا بردٍّ مختلف تمامًا، ومع ذلك انتهى الأمر بإجراء كان منسَّق مع جميع الأطراف". في تعليقها على هذا، قالت ميري هالبر: "لأن نتنياهو جبان كالأرنب".
وأضاف يوڤال نكار: "هذا خطأ كبير من صناع القرار السياسي، كان عدم الرد أفضل من هذا الرد المخزي؛ فعندما لا يكون هناك تأثير واضح، يُقابلنا العدو بالسخرية". كما علّق مايكل تيد قائلاً: "لقد أصبحنا بمثابة كيس ملاكمة للمنطقة، يُصيبنا 200 صاروخ باليستي، وكل ما نفعله هو أن نصدر صوت انفجار (!!) فقط".(2)
بين امتعاض أعداء إيران، وخيبة أمل طابورهم الخامس، مر عدوان إسرائيلي مرور اللئام، كأنّه لم يقع من أساسه، وانبرى الغرب بلغته السياسية المعهودة يناشد إيران ضبط النفس، الذي لن يكون بالإمكان ضبطها بعد اليوم، فقد انتهت فسحتها، في هذا الظرف الحساس الذي تمرّ به الأمّة، وهي في مخاض وجودي إمّا أن تكون أو لا تكون، قضيّة فلسطينية بلغ التفريط فيها مبلغ إبادة ومحو قطاع غزة من الوجود، وانهاء أي روح للمقاومة فيها، متزامنا ذلك مع العدوان على لبنان، في محاولة لإخضاعه، بنزع سلاح المقاومة من أيدي أبنائه، والاستجابة لشروط إسرائيل في حزام أمني، يمنع عنها أي هجمات ضدّها.
ما خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، بقطع النظر على آثاره التي سيكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، يدعو إلى القول بأنّ العالم ماض بخطى ثابتة إلى تفكك منظوماته الدولية، بعد عجزها عن تقديم الحلول الناجعة للقضايا العالقة، بسبب انحياز الدول الغربية إلى جانب إسرائيل المغتصِبة لفلسطين، وإخفاقها في تحقيق العدالة التي تنشدها الشعوب، وأكثر من ذلك فإنّ ايران ومن معها من حركات مقاومة أصبحوا على يقين بأنّ الحقوق تؤخذ بالقوّة ولا مجال لأخذها بالسياسة، حقيقة أصبحت لا تقبل التشكيك فيها، بعد الذي أقدمت عليه إسرائيل من جرائم في غزة ولبنان، التطوّرات بين إيران والعدو الصهيوني، ستأخذ أبعادا عسكرية بحتة، فلا حلول أخرى يمكن اعتبارها مع كيان لا يفهم غير القوّة والرّدع .
المراجع
1 – من أين عبرت الطائرات الإسرائيلية لضرب غيران؟
https://arabi21.com/story/1635953/=D9%85%D8%A7-
2 – سخرية المستخدمين والخبراء الاسرائيليين من العدوان على ايران